الفن والهوية الوطنية
![د. نجمة إدريس](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1511191571908366400/1511191591000/1280x960.jpg)
الجميل في إرث عبدالحسين عبدالرضا أنه لم يؤسس لنا هوية وطنية فقط، بل كان قادراً، بأصالته وصدقه، أن يعبُر بهويتنا الحدود، ليؤثر في المحيط الإقليمي الأقرب والأبعد، فيرثيه المحبون والمريدون من كل حدب وصوب، ويرون فيه معلماً ورائداً وأيقونة للفن والسعادة، وينبوعاً لضحكات لا تنفد.الميزة الأخرى في هذا الإرث الفني، أنه يصدر عن حب لممارسة الفن، وشغف بتفاصيله وحيثياته، وصبر على متاعبه ومشاقه، وأناة في قطف ثماره، التي لا تأتي أكلها إلا بعد ردح من العمر والكدح. وكلها صفات لا تجدها إلا لدى أولئك الذين نذروا أنفسهم لما يحبون بحق، ومارسوه بتلقائية وعفوية تقتربان من الفطرة، ولم ينتظروا من ورائه جزاءً ولا شكوراً.يُقال إن أعظم الكتب والمؤلفات هي تلك التي لا تأتي بما يخرق المألوف من الأفكار، إنما تقول من يُحاك في النفوس والعقول، لكن بأسلوب فذّ وعرض مبدع، وهذا بالضبط ما فعله فن عبدالحسين عبدالرضا، حين حاكى ما في نفوسنا من هواجس، وترجم ما في صدورنا من هموم، ثم وسم ذلك بميسمه الفريد، وبكوميديا لاذعة حيناً، وانبساطية حيناً، ومتخمة بالإشارات أحياناً أخرى، لكنها في كل الأحايين مثيرة لبهجات وضحكات تستجلب الشفاء والتطهّر. ولا يبقى إلا التأكيد على ضرورة وضع استراتيجيات وخطط للنهوض بأدوات الحضارة الحقة، وهي الفنون والآداب، والعناية بمبدعيها وصنّاعها، وتكريس الجهود لبناء أدواتها وصروحها، والإيمان بأنها رهاننا الأجمل والأغلى حين تباهي الأمم بثقافتها وتاريخها.