عائد إلى الحياة
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
تسير حياتك الآن أمامك وأنت تنظر إليها دون أن تملك القدرة على المشاركة فيها. عليك أن تقف في زاوية ثابتة سيتحدد بعدها مصيرك، إما أن تدخل ضجيج الحياة مرة أخرى، أو تودعها إلى الأبد. زاوية تمنحك فرصة أن تتأمل فقط، ولا تتدخل في شيء. سألني الجراح في العملية الأولى "هل تريد معرفة نسبة نجاح عمليتك؟"، قلت "لا، لا يهم الآن"، ضغط بخفة على يدي وقال "ستعيش أكثر من عمري". حين تذهب وأنت خارج الوعي بوجودك لا تدرك ما الذي يحدث بعدك. تلك ميزة جيدة لجهاز التخدير وهو يعلقك بين الإفاقة والإغماءة الأبدية. حين صحوت عرفت أنني مازلت هنا قريبا من هذا الضجيج. كانت مهمة الطب أن يقاتل مع جسدك ضد النهاية، ومهمتك أن تقاتل بروحك أولا وجسدك ثانيا مع الطب ضد نهايتك. سألني ذات السؤال في العملية الثانية ولم أجب، ربت على كتفي وسبقني إلى غرفة العمليات. كان الصراع الأكبر هو ما بعد ذلك. جلسات العلاج الكيماوي والتهديد بعودة الداء السرطاني مرة أخرى. مرَّ على ذلك ثمانية أشهر من الألم، وتعطل الجسد والعقل عن عمل الأشياء البسيطة الممكنة. كنت أفكر في روايتي التي أهملتها، وبالمشاريع التي خططت لها في المستقبل، أحاول أن أجبر نفسي على الكتابة وأفشل، وكأنني أحاول أن أجبر نفسي على الحياة وأفشل. في الأسبوع الماضي كان الفحص الأخير، والذي أعلن فيه الطبيب المعالج خلو جسدي من السرطان، والاكتفاء بالفحص الدوري، وكأنه يخبرني بأنه بإمكاني العودة مرة أخرى للضجيج. يخرجني من زاوية الانتظار الزمني إلى دائرة الزمن. يعيدني إلى الحياة التي راقبتها زمنا من بعيد وأنا أرى أصدقاء كثرا مخلصين لم يخذلوا صداقتي وأصدقاء قلة ابتعدوا كمن ينتظر نهاية الصراع. كنت أرى من الزاوية كل هذه القلوب الطيبة التي تحيط بي، وأعرف أنني رجل محظوظ سيعود للحياة بقلوب أحبابه. ولا أملك لهم سوى الشكر بحجم الكون، فلم تدرّ عليَّ الكتابة سوى هذا الحب الذي لا يعادله شيء.