«أبوي ما يقدر إلا على أمي!»
افتقار الدولة إلى الجهاز الفني والمحاسبي والرقابي لاستيعاب متطلبات هذا النظام المالي الجديد سيؤدي بدوره إلى إرباك مختلف أجهزة الدولة وأنظمتها المحاسبية، وبالتالي تضع الاقتصاد الكويتي برمته نحو المجهول، وهذا ما قد يوّلد ردة فعل سياسية قوية برلمانياً وشعبياً، فما السر في توجه الحكومة دائماً نحو الحلول الارتجالية؟
يبدو أن "موس" الحكومة قد وضع على رؤوس المواطنين بعد إقرار مجلس الوزراء اتفاقية القيمة المضافة الخليجية، ومن أجل الالتفاف على مجلس الأمة تتذرع الحكومة بأن الاتفاقية المذكورة هي للتصديق وليست قانوناً للتطبيق، وذلك من أجل امتصاص ردة الفعل النيابية في الوقت الحاضر أو تحويل الأمر إلى واقع تماماً مثلما حصل في قضية رفع أسعار البنزين.أشرنا في مقال سابق إلى خطورة مثل هذه الاتفاقية وتبعاتها الاقتصادية والسياسية، ونظراً لجمود الوضع المحلي وخشية مرور هذا الموضوع المفصلي مرور الكرام لا بد من التنبيه على بعض الاختلالات التي من المؤكد أن تواكب هذا القرار الارتجالي.لا تملك دولة الكويت البنية التحتية الفنية أو القانونية أو الإدارية لتبني مثل هذا النظام الضريبي المعقد والمتطور، فضريبة القيمة المضافة من الضرائب المركبة، ويتم فرضها في كل مرحلة من مراحل الدورة الاقتصادية بدءاً من الإنتاج مروراً بالتوزيع وانتهاءً بالاستهلاك، وهي أيضاً رسوم ومبالغ مالية تتم جبايتها على جميع الأموال والخدمات المستهلكة سواءً كانت محلية الصنع أم مستوردة، وفي النهاية فإن المواطن أو المستهلك النهائي هو الذي سيتحمل الكلفة الإجمالية لمجموع الضرائب المفروضة على المورد وعلى رسوم الجمارك وعلى التاجر، أي أن الضريبة سوف تطلع من عين المواطن!
إضافة إلى ذلك فإن أولى نتائج هذه الضريبة وأسرعها هي التضخم، أي زيادة الأسعار وبنسب تتراوح من 6-10% مما ينعكس سلباً على مستوى المعيشة للأسر البسيطة أو متوسطة الدخل التي تشكل الأغلبية الساحقة للكويتيين.افتقار الدولة إلى الجهاز الفني والمحاسبي والرقابي لاستيعاب متطلبات هذا النظام المالي الجديد سوف يؤدي بدوره إلى إرباك مختلف أجهزة الدولة وأنظمتها المحاسبية، وبالتالي تضع الاقتصاد الكويتي برمته نحو المجهول، وهذا ما قد يوّلد ردة فعل سياسية قوية برلمانياً وشعبياً.فما السر في توجه الحكومة دائماً نحو الحلول الارتجالية أو دفع البلد نحو التصادم بمجرد عودة الأمور إلى الاستقرار والهدوء؟ لعل الإجابة تكمن في عدم قدرة الحكومة على مواجهة أصحاب النفوذ والافتقار إلى الشجاعة الكافية لفرض هيبة الدولة على المتجاوزين على المال العام، أو من يعبثون بمقدرات الدولة وميزانيتها السنوية عن طريق الهدر والإنفاق المهول على أوجه صرف بشكل لا تمت بصلة إلى التنمية أو حاجة المواطن.الأهم من ذلك هو عدم جرأة الحكومة على فرض قانون الضريبة على الأرباح، علماً بأن هذه الضريبة هي الأسهل في بعدها الفني والإجرائي، كما أنها مصدر دخل مهم للدولة، ولا تتم جباية أموالها إلا من فاحشي الثراء دون المساس حتى بأصولهم وممتلكاتهم إنما من صافي أرباحهم عندما تصل إلى مستويات عالية جداً، فسياسة الحكومة هي باختصار "أبوي ما يقدر إلا على أمي!".