مثقفون لمحفوظ عبدالرحمن: وداعاً «حكاء سير أهل الفن»
«نتاجه الأدبي والمسرحي والسينمائي تميز بالتكثيف وشمولية الرؤية»
فقدت الحياة الثقافية في مصر الكاتب والمبدع السيناريست محفوظ عبد الرحمن الذي غيبه الموت إثر جلطة دماغية عن عمر ناهز الـ 76 عاماً، وهو يعد إحدى القامات الأدبية والفكرية الكبرى، حارس بوابة «التراث العربي» وحكاء سير أهل الفن، كما يُطلق عليه البعض.
برزت موهبة محفوظ عبدالرحمن الأدبية منذ بواكير حياته بكتابته فن القصة القصيرة، وعرفه الناس لأول مرة قاصاً موهوباً قبل أن يعمل في وزارة الثقافة، والكتابة في صحف عريقة عدة. بعد ذلك، فكَّر في احتراف الكتابة الدرامية والمسرحية، فكانت أعماله الأولى مسرحية «حفلة على الخازوق، وليلة من ألف ليلة وليلة، وعريس لبنت السلطان»، إلى جانب مسلسلي «الزير سالم» و«سليمان الحلبي».في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ألّف مسلسل «عنترة» الذي أخرجه الأردني عباس أرناؤوط، وعند اختيار الممثلين اقترح الاستعانة بالفنانة سميرة عبدالعزيز من واقع مشاهدته لها على خشبة المسرح القومي، وبمرور الأيام نشأت صداقة بينهما وتقاربت ظروفهما الخاصة إلى حد كبير وفق روايته، إلى أن وقع في حبها ووافقت على الزواج منه بعدما عرض عليها الأمر، وأنجبت منه لاحقاً ولداً وبنتاً.ضمن أبرز إنتاجه الدرامي التاريخي «بوابة الحلواني»، وهو مسلسل من أجزاء عدة يؤرخ لحفر قناة السويس الذي بدأ عام 1859 وصولاً إلى نهاية عصر الخديو إسماعيل عام 1879.
بعد النجاح الباهر لأجزاء المسلسل اجتمع مع مجموعة من الكتّاب، إلى جانب الفنان أحمد زكي، للحديث عن بعض الشخصيات المؤثرة تاريخياً لإنتاج أعمال فنية عنهم، وجاءت فكرة فيلم «ناصر 56». حاول بعدها الكتابة عن شخصية تؤرخ للقرن الـ20 قبل نهايته، وفكّر في سعد زغلول وطلعت باشا حرب، إلى أن وجد في كوكب الشرق «أم كلثوم» غايته، لأنها عاشت في فترة زمنية طويلة معاصرة ثورة 1919 وتوفيت عام 1975.
مقاطع من سيرة ذاتية
أصدرت الناقدة والكاتبة سميرة أبو طالب كتاباً عن الراحل بعنوان «محفوظ عبد الرحمن... مقاطع من سيرة ذاتية»، ذكرت فيه أن عبد الرحمن، الذي ولد في قرية التوفيقية بمركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة بشمال مصر في 11 يونيو 1941، «كان دوماً يبحث عن غير المألوف، بدأت الكلمة لديه متمردة ثم ثائرة، فنسجت إطاراً من المقاومة للأوضاع العربية المترهلة، وراحت تأخذ العربي إلى حيث يستعيد أمجاد تاريخه، ويعمل الفكر فيما آلت إليه الحال في لحظته الراهنة. ومحفوظ يكتب أيضاً متحرراً من الزمان والمكان».وتضيف: «لعل أهم ما يميزه إيمانه بقيمة ما يكتب وبدوره في المجتمع، وكانت كلماته وسيلته إلى الاهتداء إلى حقيقة الإنسان وحقيقة وجوده وحقه في الحياة والكرامة والحرية والعدل. إن المرء يستطيع أن يرى في كتاباته غربته ووحدته ومقاومته وتمرده وبساطته وحبه وإحساسه بذاته وكرامته ونزوعه إلى الوحدة العربية، فقد انشغل محفوظ على مدار كتاباته بالأخطار التي تحيط بالكيان العربي أرضاً وإنساناً».وقال الناقد والكاتب فؤاد دوارة: «محفوظ قيمة استمدت ثقلها من نضج منتجه الفكري، فقد أثرى المسرح العربي بأعمال لا تنسى تميزت كلها بالأصالة والالتزام القومي، من دون أن تفوته براعة الحبكة وسمو الهدف وشاعرية الحوار، وأنه كان خير العارفين بقدرة المسرح على التغيير».وتابع: «هو أكثر من تناول التاريخ في أعماله الخاصة، وكانت تمتاز بشدة التكثيف وشمول الرؤية، إذ كان يرى التاريخ بعين الناقد، من دون أن يقتصر تسجيله على مجرد الحوادث، وإنما كدراما كبرى للبشرية»، ويضيف: «محفوظ بعمق الدلالات حوّل حلمه بالتاريخ إلى تاريخ لأحلامنا».مثقفون ينعون الراحل
أصدرت الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما بياناً نعت فيه راحل الأمة العربية والإسلامية والعالم جاء فيه: «ننعي رحيل الكاتب الكبير الأستاذ محفوظ عبد الرحمن، الذي أثرى الثقافة العربية والإنسانية بإبدعاته المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، والأدبية على مدار نحو ستين عاماً»، وأضافت: «رحل محفوظ عبد الرحمن الأب والإنسان والمفكر عن عمر يناهز 76 عاماً قدّم خلالها عشرات الأعمال المسرحية والتلفزيونية، والسينمائية، ننعيه باعتباره رئيس شرف الجمعية وأحد أهم أعضائها، حيث تشرف مجلس إدارة الجمعية بعضويته سنوات طويلة قبل أن يؤسس جمعية مؤلفي الدراما».ونعاه وزير الثقافة حلمي النمنم، مقدماً تعازيه إلى زوجة الراحل، الفنانة سميرة عبدالعزيز، قائلاً: «كان الراحل أحد أبرز الذين برعوا في تصوير الواقع المصري من خلال أعماله الأدبية، والإبداعية، ومنها «بوابة الحلواني» و«أم كلثوم».وقال وزير الثقافة، إن الفقيد رحل بجثمانه إلى الرفيق الأعلى، لكنه لا يزال بيننا بأعماله وإبداعاته، وأنه سيظل حاضراً في قلوب المصريين وعقولهم، داعياً الله أن يتغمّده برحمته ويلهم ذويه الصبر والسلوان.بدوره، قال الشاعر أشرف عامر، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، إننا فقدنا قيمة وقامة مصرية قلما وجدت في هذا الزمن، خصوصاً بما قدمه من إبداعات فنية ودرامية أمتعتنا من أفلام ومسرحيات ومسلسلات جسدت الكثير من الواقع المصري والشخصية المصرية.ونعى الإعلامي عمرو الليثي، الكاتب الراحل قائلاً: «مصر فقدت كاتباً ومبدعاً كبيراً أثرى الدراما المصرية بأفضل الأعمال وأسهم بكتاباته ومؤلفاته في إبداع أجمل السيناريوهات لأهم وأفضل الأعمال الدرامية والتي ستظل حاضرة في وجداننا، ومنها «حليم» و«ناصر 56»، بالإضافة إلى أروع الأعمال الدرامية التلفزيونية.وأشار إلى أن الراحل، نال جوائز عدة عن إبداعاته التي لا تُنسى ومن بينها، جائزة الدولة التقديرية في الفنون 2002، وجائزة العقد لأفضل مبدع خلال 10 سنوات من مهرجان الإذاعة والتلفزيون.أعمال خالدة
أحد أبرز أعمال الراحل مسلسل «بوابة الحلواني» للفنانين عبد الله غيث، وعزت العلايلي، وعلي الحجار، وسمية الألفي، وحسن حسني، والراحلين نجاح الموجي ومحمد توفيق وزيزي البدراوي. كشف من خلاله مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في عهد الخديوية، تحديداً في عهد الخديو إسماعيل.كذلك أبدع الكاتب الراحل في مسلسل «أم كلثوم»، الذي حكى من خلاله أبرز محطات سيدة الشرق، وكان بمنزلة النجومية الحقيقية لصابرين في عالم الدراما التلفزيونية، فضلاً عن تقديم الكاتب الكبير مسلسلات عدة، من بينها سيرة حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، التي جسدها الفنان الراحل أحمد زكي في آخر أعماله السينمائية على الشاشة الذهبية، وهي عبارة عن حوار بين أحمد زكي (حليم) وجمال سليمان (رمزي) أحد الإعلاميين في الإذاعة المصرية، يسترجع فيه حليم مراحل حياته المختلفة ومعاناته حتى وصل إلى أن أصبح جزءاً لا يتجزأ من وجدان الطرب المصري، ووجدان الجماهير الذين شاركهم أفراحهم وأحزانهم، بأغانيه الرائعة.
فؤاد دوارة: حول حلمه بالتاريخ إلى تاريخ لأحلامنا