أهالي الموصل يمحون آثار حرب «داعش» ويكسبون تعاطف الداخل والخارج
ترقّب لمؤتمر الكويت... وحملات تبرع لتعويض عجز بغداد وبطء المساعدات
بعد انتهاء المعارك ضد تنظيم داعش فيها قبل نحو شهر، لم تتلق الموصل مساعدات ومنحاً مالية كافية لمحو ويلات الحرب الهائلة، في أكبر مدينة ذات طابع سني في العراق، إلا أن الأهالي أطلقوا مبادرات عديدة، ونظموا حملات تبرع بالمال، وأسسوا فرق متطوعين، بنحو أثار تعاطفاً وإعجاباً داخل البلاد وخارجها، في وقت يعتقد المراقبون أن هذه «الشحنة الإيجابية» التي تتزايد ستشجع المانحين على القيام بجهد أكبر ضمن عمليات إعادة الإعمار.وكانت الكويت وبغداد أعلنتا تنظيم مؤتمر للمانحين الدوليين مطلع العام المقبل، لإعادة إعمار المناطق المحررة من تنظيم داعش، وتعد الموصل أكبرها وأكثرها تضرراً.وأعلنت الأمم المتحدة أن الكويت تقدمت فعلياً بمنح عديدة، منها نحو مئتي مليون دولار للقطاع الصحي ومثلها للتعليم، وتشير المعلومات إلى أن جزءاً من هذا المبلغ سيمول دراسات تخصصية تشرح الوضع الحالي للمنشآت، وتقترح على المانحين كلفة الإعمار ونوعه، بنحو يسهم في إنجاح المؤتمر المذكور الذي يعول العراق عليه كثيراً في إعادة الاستقرار إلى المدن المنكوبة.
ونظم شباب موصليون حملة لإنقاذ مكتبة جامعة الموصل، واستخرجوا من تحت الأنقاض 30 ألف كتاب ومخطوطات نادرة، وأثارت جهود هؤلاء الشبان إعجاباً واسعاً في العراق وخارجه، حيث تتبرع جامعات ومؤسسات كثيرة بآلاف الكتب وبمختلف اللغات لمصلحة مكتبة الجامعة. ونظم أطباء حملة واسعة لإعادة إعمار مستشفى ابن الأثير، الذي بات المؤسسة الصحية الوحيدة في ثاني أكبر مدن البلاد، إذ يتباطأ الجهد الحكومي في ظل تقشف شديد، بعد تدهور أسعار النفط، لكن المتبرعين الموسرين اشتروا مصاعد وأجهزة، ودفعوا مبالغ للمهندسين، ونجحوا في ترميم أقسام مهمة خلال فترة وجيزة.وأثارت مبادرات الموصليين تساؤلات عديدة بين أهالي بقية المدن العراقية، الذين أبدوا إعجابهم بما يحدث هناك، واستغربوا عدم تنظيم أعمال تطوعية وحملات تبرع مالي في المحافظات الأخرى التي ينقصها الكثير.ونجح الموصليون في مواجهة موجة تخوين حادة، اتهمتهم بالتعاون مع «داعش»، ونظموا زيارات للمدن الشيعية التي يتحدر منها معظم الجنود القتلى في عمليات تحرير الموصل، وأقاموا مهرجانات تأبين وزاروا المقابر، إلى درجة دفعت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى أن يهرع بنفسه لاستقبال نحو مئتي شاب موصلي سافروا إلى النجف (العاصمة الدينية للشيعة)، سعياً إلى تخفيف الاحتقان الطائفي، وقد أسهمت هذه الجهود في تحويل كثير من الشيعة إلى متعاطفين مع المجتمع الموصلي المعروف بتنوعه الشديد مذهبياً وقومياً.ويقول صحافيون ومنظمات إغاثة دولية عملت في مختلف مدن العراق، إنهم لم يروا مجتمعاً في العراق بدرجة تنظيم ونظافة المجتمع الموصلي، ويعربون عن اعتقادهم بأن النظام الذي يتسمون به وروح المبادرة التي يمتلكونها، أمران سيشجعان المجتمع الدولي على تقديم مساعدة جدية لإعادة إعمار المدينة.وأسهم اهتمام العراقيين بتداول أنباء عن هذه المبادرات الطوعية، في تخفيف التغطيات المؤلمة عن الجزء القديم في المدينة، المدمر بنسبة 80 في المئة، حيث لا تزال روائح الجثث تنبعث من تحت المباني المدمرة، ويُمنع الصحافيون - إلا ما ندر - من دخولها، كما تواجه فرق الدفاع المدني صعوبة في تسريع وتيرة العمل لتنظيف المنطقة من الألغام والمتفجرات.وكانت آخر مبادرة موصلية يتحدث عنها المدونون في الـ«سوشيال ميديا»، هي زراعة «شجرة لكل شهيد»، سواء كان من الأهالي أم من الجنود المحررين المتحدرين في العادة من أقصى الجنوب، في رسالة عاطفية وعمرانية تسلط الضوء على «تفنن» الموصليين في محو آثار الحرب وحقبة «داعش».