قدم د. طارق عبدالله فخر الدين استشاري أبحاث واختصاصي أول في اللغات والترجمة، في مركز الوثائق التاريخية ومتاحف ومكتبات الديوان الأميري، محاضرة أقل ما توصف به انها قيمة جداً، الا وهي "المترجم في حروب الشرق الاوسط"، في قاعة مبارك جاسم المطوع، بجمعية الخريجين الكويتيين.جاءت المحاضرة في اليوم الثاني للفعاليات المصاحبة، التي أقيمت ضمن أنشطة معرض الكتاب الصيفي الثاني، الذي تقيمه الجمعية بمقرها في منطقة بنيد القار.
وقام مدير الجلسة الناقد الأدبي فهد الهندال، بتقديم المحاضر قائلا إن الضيف الكبير، رغم انه غني عن التعريف على المستوى الشخصي، علم في مجاله ونجم في حضوره على مستوى تخصصه، لا في الكويت فقط بل عربيا وعالميا، الا انه يحتاج الى ساعات وساعات للتعريف به اكاديميا وعلميا، منذ بداية حصوله على بكالوريوس الأدب الانكليزي من جامعة الكويت، حتى عمله كباحث زائر في معهد الامم المتحدة للبحث والتدريب"يونيتار" بنيورك في الفترة من 1973إلى 1974، حيث شارك في اعداد، برامج ودراسات تدريبية لموظفي الهيئة الدولية، مرورا بدراساته العليا في جامعتي أوكسفورد ونيويورك، للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، كما قدم المواقع التي شغلها كرئيس قسم اللغة الانكليزية في جامعة الكويت، واستاذ زائر في جامعتي نيويورك وجورج تاون، وعضو هيئة تدريس في الجامعة العربية المفتوحة، ومدير تحرير لمجلة الرائد، ثم رئيس تحرير لمجلة "كويتي جازيت" وغيره من الاعمال والمواقع التي شغلها، والتي تحتاج على حد قول الهندال، إلى محاضرة أخرى.
ساحات المعارك
وتناول د. فخرالدين موضوع "المترجم في حروب الشرق الاوسط" بمهارة وحنكة، لأنه كان جزءا من أبحاثه العلمية، وايضا لاكتسابه المزيد من الخبرات من خلال الاستعانة به في بعض الاوقات، لترجمة الوثائق، ومنها المتعلقة بأوامر تشغيل بعض المعدات العسكرية. وأكد أن المترجمين حالهم حال الجنود في ساحات المعارك، لكن الفرق أنهم غير مدربون على حمل السلاح للدفاع عن انفسهم ومواجة اخطار الحروب او كيفية التعامل معها، ولذلك مَنْ يختار مهنة الترجمة في الحروب يقامر بحياته، وكثيرا ما تتحدث الأنباء عن مقتل مترجم وجد نفسه بين نارين، كما يحدث في افغانستان ودارفور بالسودان وسورية والعراق، حيث بات من أخطر المهن المدنية ان يعمل المرء مترجما لجيش اجنبي ما، وقد رأينا وسمعنا الكثير أن المترجمين يقتلون خلال العمل، سواء كانوا في آليات أو يرافقون الجنود في دورياتهم الراجلة أو في عمليات التفتيش عن المسلحين ومخابئ الاسلحة. ويلاحقهم خطر الموت الى بيوتهم، حيث يتربص بهم المسلحون الذين يُعدِّونهم متعاونين مع الجيوش الاجنبية ويقطعون رؤوسهم إذا وقعوا بأيديهم، لأن الطرف الآخر يهدر دمهم بوصفهم جواسيس.محل شك
وتابع: "ويا ليت الأمر يقتصر على ذلك، ولكن هم ايضا دائما محل شك من القوات التي يعملون معهم، ويتعاملون مع ترجماتهم بتحفظ شديد، لأن البعض منهم كان يستغل عمله كمترجم في الانتقام من اعداء عشيرته او من خصومه او حتى من قرى او بلاد تناصب بلادهم العداء، من خلال توصيل ترجمات مغلوطة للجيوش الاجنبية العاملة في بعض مناطق الصراع".واوضح ان المترجم في حروب الشرق الاوسط نوعان، الاول مدني يقوم بعملية مرافقة الجنود الى الاماكن او البلاد، او يقومون بالعمليات اللوجستية لتوفير الزاد والزواد للمعسكرات والقواعد في المنطقة، والنوع الثاني مترجم مهني، وهو أقرب للعسكري من حيث الانضباط وتنفيذ التعليمات والخضوع للتعليمات، طبقا لتسلسل القيادات.وضرب مثلا بالنوع الاول من المترجمين العاديين، مثل الذين رافقوا القوات الاميركية في حرب تحرير الكويت الذين بلغ عددهم أكثر من 4000 مترجم، منهم طلاب كويتيون كانوا يدرسون في الولايات المتحدة، او مسؤولون كانوا في مهمات او زيارات رسمية او اجازات اعتيادية صيفية، وكانت مهماتهم تعتبر الى حد ما سهلة لأن عددا كبيرا منهم كان يعمل مع قوات التحالف في السعودية قبل حرب التحرير، كمترجمين للمكالمات التي كان يتبادلها قيادات الاحتلال الصدامي او للرسائل التي يتبادلونها، وعند بدء عملية التحرير عمل كدليل لارشاد القوات الاميركية في مناطق الكويت.وتابع: "اما النوع الثاني، المترجم المهني، فيجب ان يكون ملما الماما كاملا باللغتين والمصطلحات سواء العسكرية، ولا يعني القدرة على التحدث بطلاقة، أو امتلاك شهادة في اللغة يكفي تقريباً، وخاصة في العمل الرسمي والمتخصص، وعادةً ما يكون من الصعب الحكم على قدرة اي متصدٍ لهذه المهمة، إلا إذا كنت تعرف القليل عن خلفيته المهنية، وإذا ما كان معتاداً على القيام ببعض أعمال الترجمة المهنية او لا".خصوصية المكان
وشدد على أن اللهجة تلعب دورا كبيرا في تحديد صلاحية النص المترجم، لان كلمة تفرق كثيرا في المعنى، سواء من بلد الى بلد، أو من منطقة الى منطقة أخرى، وضرب مثلا بأنه كلف لترجمة اوامر تشغيل الدبابة أبرامز الأميركية التي تعاقد على عدد منها الجيش الكويتي، وكانت هذه الاوامر في صفحات يفوق عددها الالاف، وبعدما قطع شوطا كبيرا في الترجمة علم ان هناك ترجمة الى العربية في بلد آخر، فعرض الامر على المناط بهم تنفيذ هذه المهمة من الخبراء الاميركان للاستعانة بها، لكنهم رفضوا لأن لكل مكان خصوصية في اللهجة واستعمال مفرادتها. ولفت إلى أنه بشكل عام، المترجم الذي يعمل في المجال العسكري يكون بشكل دائم خاضع للمراقبة، وفي بعض الاحيان اذا كان العمل الترجمي الذي يتصدى له على درجة عالية من السرية فإنه يعيش منعزلا عن العالم، فلا وجود لأي وسائل اتصال او اجهزة الكترونية كالهواتف والحاسوبات، او حتى الفلاشات بحوزته.واسترجع د. طارق حادثة حصلت معه شخصيا، أكدت له انه مراقب بدقة شديدة، حيث كان يترجم بعض الامور السرية في إحدى المهمات، وكان معزولا في غرفة متواضعة، ويفرض عليه عدم التعامل مع الآخرين الذين ليس لهم صلة بالموضوع.مهنة طاردة
وبين د. طارق: "من اجل هذا فإن مهنة الترجمة في هذا المجال مهنة طاردة"، معبرا عن سعادته بالاهتمام الذي حظيت به مؤخرا من الامم المتحدة، لاسيما البيان الأخير الذي اصدرته بشأن توفير الحماية للمترجمين والتأمين على حياتهم".