حتى لا يضيع العمر!
تلك الصورة الفوتوغرافية المعلقة على جدران أذهاننا، وتحمل ملامح أحداث متسارعة ومتداخلة ومتناقضة تعكس صورة هستيرية تنذر بكارثة كونية على وشك الوقوع، وهذا النسيج المتشابك المعقد من العلاقات مع أناس لهم أفعال وردود أفعال يصعب على المرء كثيرا أن يفهمها أو يفسرها أو حتى توقعها، وهذا اللهاث الذي يحجب الهواء والسعار لكل شيء ولأي شيء، والهلع من كل شيء وأي شيء، وهذا التغيير المستمر "لفاترينة" الحياة مما يغير باستمرار لعبتها، وبالتالي المعايير الإنسانية أو صورة التعبير عنها مما يجعلنا غير آمنين على إنسانيتنا من الانفصام، هذه الصورة الفوتوغرافية ليست الحياة!إن أولئك الذين يؤكدون ويقسمون بأن تلك هي الحياة يشهدون زوراً، فتلك المرأة القبيحة التي تظهر في الصورة ذات الشعر الكث الطويل بلا حد المليء بالأصباغ والألوان والحيوانات الزاحفة، وذات الوجه المليء بالندوب وآثار خيوط العمليات الجراحية، والعيون الجاحظة والسبعة أنياب، ليست الحياة، مهما حاول "العالمون" إقناعنا وشهدوا بأنهم رأوا الحياة رؤية العين، بل وأن تلك الصورة الفوتوغرافية مطابقة لما كان ذلك مقنعا، لا يمكن أن تكون الحياة بهذه البشاعة لسببين؛ الأول لأن الحياة هدية الله الذي لا يهدي سوى الجمال، فهو أحد أسمائه الحسنى، والسبب الثاني منطقي، وهو لو أن الحياة كما وصفوها لما كفاها جمال كل الدنيا ليغطي بشاعتها، ناهيك عن أن يكون لديها من الجمال ما يجعلها فتنة سحرها لا يقاوم تملك أسرار كتاب الغواية، لم ينجُ من شراك فتنتها رجل ولا امرأة، ولا غني ولا فقير، ولا حاكم ولا متسول، ولا مستحق جمالها ولا انتهازي خسيس، فالكل يطمح لنيل رضاها، والكل يخطب ودها، ويحلم أن يضمها في صدره إلى الأبد، كيف يكون ذلك وهي بهذا القبح، كما شهدوا؟!
إن المنطق يفنّد هذه الشهادة ويسخر منها، لابد أن الحياة جميلة جدا وقيّمة لسرّ ما حتى تُمنح لكل منا مرة واحدة فقط بصورة "كوبونات" تسمى العمر، كل كوبون به شريط ممغنط محفوظ به كل ما مر به صاحب الكوبون في حياته بأدق التفاصيل، وكل ما فكر به وفعله، ولكي ربما تكتمل صورة الحياة، لابد أن نجمع كل ما تم توزيعه من "كوبونات"، وما سيتم توزيعه منها إلى أن توضع نقطة النهاية لهذه الفاتنة المسماة الحياة. لن تكتمل ملامح الحياة حتى تكتمل تلك "الكوبونات" بين أيدينا، وكل المحاولات التي تمت خلال تاريخ البشرية لفك شيفرة الحياة والتحقق من هويتها بمجمل كشفها "لم تأت من العلم إلا قليلا"، ويمكن إيجازها بجملة، بأن الحياة لها وجهان؛ وجه جميل لا يخلو من البشاعة، وآخر بشع لا يخلو من الجمال!من رأوا وجهها الأول هم الغارقون في النصف المملوء من الكأس، ومن رأوا الوجه الآخر هُم الغارقون في الفراغ!وحتى لا يضيع العمر بالبحث عن إجابة للسؤال مع أيّ من الجانبين أقف؟ عش حياتك مقتنعا بأن في كل جمال فخ بشاعة يسهل الوقوع فيه، وفي كل قبح ضوء جمال هو دليلنا لتخطيه!