يقول الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليه السلام): "خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة"، ومع أن الموت هو قدر كل إنسان، فإنه يظل صعباً، فـ"فقد الأحباب غربة" كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام، فما بالنا عندما يكون الفقيد إنساناً أسر قلوب الكثيرين.فالحزن والتفاعل الكبير الذي أبداه الكويتيون بمختلف أطيافهم ومعهم الجماهير العربية على فقد الفنان العملاق عبدالحسين عبدالرضا كان استثنائيا، ويدل على أن هذه الجماهير لم تفقد مجرد فنان، ولكن فقدت أيضاً إنساناً احترمه الجميع لتواضعه وقربه من الناس.
كان الفقيد "بوعدنان" نتاج مرحلة جميلة من تاريخ الكويت، عندما كانت الدولة تستخدم إيرادات الثروة النفطية الجديدة للتطوير والنهضة والاهتمام بالتعليم والفنون والآداب بكل أشكالها، فأنتجت جيلاً مبدعاً في كل المجالات، ومنها المجال الفني المسرحي والدرامي، لتكون الكويت هي درة الخليج المتميزة، وكان أبرز نجوم هذا الجيل هو الفقيد عبدالحسين عبدالرضا، الذي أبدع في رسالته المسرحية والدرامية التي خلطت ما بين الكوميديا الساخرة الجميلة والإسقاطات السياسية التي حاكت ومازالت تحاكي العديد من المشاكل والظواهر التي نعانيها، سواء في الكويت أو في البلدان العربية ككل.ولم تكن هذه المسيرة سهلة على الإطلاق بل واجه فيها الفقيد الكثير من المصاعب والعراقيل، ولعل أبرزها كان منع مسرحية "هذا سيفوه"، بسبب تحالف القوى المتنفذة مع التيار الديني المتشدد، والذي حرمنا من رؤية عمل جبار جمع عمالقة الفن على خشبة واحدة. منذ تلك الحقبة والدولة كلها - وليس المسرح فقط- في انحدار، فكان هَمّ الحكومات المتعاقبة اتباع سياسة "فرِّق تَسُد" بين أطياف المجتمع وتغذية التطرف بدلاً من استمرار الاهتمام بالفنون والآداب وتشجيع الانفتاح وتقبل الآخر. وبدلاً من استمرار الاهتمام بالتعليم وخلق اقتصاد حيوي وجيل منتج، لجأت تلك الحكومات إلى تكديس البطالة المقنعة في مؤسسات الدولة المترهلة، مما قتل الإبداع وروح المبادرة في الأجيال الحالية، فلا مسرح ولا فنون ولا إبداعات كتلك التي ميزتنا قبل خمسين سنة.اليوم رحل عبدالحسين ليلحق برفاق دربه المميزين خالد النفيسي وعبدالعزيز النمش وغانم الصالح وعلي المفيدي، لكن سيظل عبدالحسين اسماً لامعاً تتحدث عنه الأجيال، سيظل عبدالحسين المنتج الكويتي الأصيل الذي صدَّر بفنه اسم الكويت إلى باقي الأمم، سيظل عبدالحسين عالقاً في الذاكرة بتواضعه، بكاريزمته الخاصة، بنسفة عقاله المميزة، بـ"افيهاته" التي نستحضرها في العديد من المواقف التي نصادفها في حياتنا اليومية. رحمك الله يا أبا عدنان، وأسكنك فسيح جناته، وألهم أهلك وذويك ومحبيك الصبر والسلوان، و"إنا لله وإنا إليه راجعون".
مقالات
عبدالحسين الكويت
24-08-2017