لا حول لهم ولا قوة؛ فهم ليسوا ممثَّلين في البرلمان حتى يقف من يمثلهم ويدافع عنهم، وليس لهم سوى أصحاب الضمائر الحية والمؤمنين بالعدالة والإنسانية، أولئك هم الوافدون الذين أصبحوا لقمة سائغة في أفواه عدد من نوابنا الأفاضل.فتارةً هم عند هؤلاء النواب عبء وعالة على الدولة، وطوراً هم سبب بطالة الكويتيين، وهم سبب تدهور الاقتصاد، بل صاروا سبباً لكل مشاكلنا... هكذا بقدرة قادر وبإرادة عدد من النواب تحولت القضية الأساسية من إعادة النظر في التركيبة السكانية وهيكلتها إلى قضية اسمها "الوافدون" يتكسب منها النواب، لأن هؤلاء ليسوا ناخبين وليس لهم وزير أو حكومة تدافع عنهم.
ويتداعى النواب، بعضهم إلى بعض، إذا طُرح مثل هذا الموضوع، رافعين عقائرهم بأن الوافدين أكلوا حقوق المواطنين في التعيينات والوظائف الحكومية، وبحجة أخرى مفادها أن رواتبهم أو مكافآتهم أعلى من تلك التي تُمنح للمواطنين.فهل سأل النواب أنفسهم عمن وضع اللوائح والكوادر الخاصة بتلك الرواتب والمكافآت؟ أليست هي الإدارة الكويتية؟ أوَلم يقرها مسؤولون كويتيون؟! ما ذنب الوافدين في ذلك؟! ولماذا أغمض النواب أعينهم وتجاهلوا بيئتهم التي يعيشون فيها داخل أجواء مجلس الأمة؟ فهل يستطيعون الاستغناء عن الوافدين؟ ومنذ نشأته في ستينيات القرن الماضي شهد المجلس محاولات لإحلال العمالة الوطنية محل الوافدين، لكنها وقفت عند حدود الكفاءة والخبرة وقابلية العمالة الوطنية للعمل في الوظائف الدنيا.ويعترض النواب على تعيينات الوافدين ويحتجون على رواتبهم ومكافآتهم، لكنهم لا يعترضون على تعيينات ناخبيهم في لجان وزارية أغلبها وهمية، لأن في ذلك تكسباً انتخابياً وتنفيعاً للمصوتين لهم في صناديق الاقتراع... هذه حالة يُرضي بها الوزير النائب فيكفيه شروره، ويدغدغ فيها النائب عواطف وجيوب ناخبيه، والآن أصبح الوافدون هم الثمن.لقد أصبحت الحرب على الوافدين شرسة شعواء، تطايرت نارها لتشمل قرار إبعاد الوافد على خلفية مخالفة مرورية، مروراً بالدعوات إلى رفع أسعار المحروقات على الوافدين فقط، وأخيراً وليس آخراً المناداة بتطبيق ضريبة على تحويلاتهم.لقد أصبحت كل الدعوات وبعض الإجراءات المصاحبة لها بيئة طاردة لهؤلاء، إذ ما عادوا يعرفون شيئاً عن مستقبلهم الذي أضحى ضبابياً، وهو ما يسلبهم اطمئنانهم ويجعلهم قوى غير فعالة في دائرة الاقتصاد المحلي، كما أصبحت مساهماتهم في الشراء أو الصرف سلبية وتقلصت كثيراً، لاسيما أن هؤلاء ليس لهم من يدافع عنهم، حتى مؤسسات المجتمع المدني مازالت تقف غير مبالية بما يحدث.لقد تجاهل نوابنا حقيقتين أساسيتين؛ أولاهما أن الديمقراطية مبادئ وقيم قبل أن تكون أرقاماً لأغلبية أو لأقلية، وأهم هذه القيم والمبادئ حماية حقوق الأقليات، لاسيما تلك التي ليست ممثلة في البرلمان، ولا يرجى من وراء الدفاع عنها أي تكسب أو استرزاق سياسي.أما الحقيقة الأخرى التي تجاهلها نوابنا الأكارم فهي أن الكويتيين لم ولن ينسوا أن بناء الدولة منذ عشرينيات القرن الماضي كان بتآزر سواعد الكويتيين مع خبرات وسواعد الوافدين، في التعليم والصحة ومختلف مناحي النهضة التي غمرت البلاد، حتى في صياغة دستورنا وقوانيننا؛ فليَكفَّ بعض نوابنا عن استغلال ورقة الوافدين استغلالاً سياسياً على حساب المبادئ والقيم الإنسانية التي تميزت بها الكويت منذ جيل المؤسسين، فهم مؤتمنون على حمايتها لا تدميرها، وقبل كل ذلك فإن التجني على الوافدين ليس من قيمنا ولا من شيمنا.
أخبار الأولى - افتتاحية
التجنّي على الوافدين ليس من شيمنا
24-08-2017