في سبتمبر 2011، تحمست شركة إنتاج خاصة لتصعيد الممثل الشاب نضال الشافعي كبطل سينمائي مطلق، وأنتجت له فيلماً بعنوان «يا أنا ياهوه»، تبين لكل من شاهده أنه مأخوذ عن الفيلم الأميركي Me, Myself & Irene (2000)، وأن ثمة من أوحى للمنتج بأن الشافعي يمكن أن يُصبح نسخة عربية من الممثل الكندي المولد الأميركي الجنسية جيم كاري.

بعدما باءت التجربة بفشل ذريع، ابتعد الشافعي عن السينما، باستثناء مشاركته في بطولة فيلمي «جرسونيرة» و{الجزيرة 2»، وألقى بكل ثقله على الشاشة الصغيرة، التي ترك فيها بصمة عبر أعمال مثل: «فيرتيجو، وفرقة ناجي عطا الله، والشك، ودلع بنات، والجماعة 2». ومع حلول عام 2017 تولّدت قناعة لدى شركة إنتاج جديدة أن تراهن مجدداً عليه من خلال فيلم «عمر الأزرق»!

Ad

ثمة تفسيران لاسم «عمر الأزرق»، الذي اختير عنواناً للفيلم، أولهما، وهو الأقرب، أن البطل «عمر سعيد» (نضال الشافعي) يتاجر في الدخان الأزرق، أي المخدرات، والتفسير الثاني ورد في جملة حوار، على لسان غريمه اللدود «رشدي» (زكي فطين عبد الوهاب) عندما وصفه بأن «نابه أزرق»، بمعنى أنه خصم عنيد، يصعب دحره. في ما عدا هذا، ليس للفيلم معنى أو رسالة. فالبطل «عمر الأزرق» ولد في كنف عائلة فاسدة تتكون من الأب تاجر المخدرات «سعيد» (صبري عبد المنعم)، والأم «مديحة» (نهال عنبر)، التي تعلم أن ابنها وزوجها يتاجران في المخدرات، وتباركهما!

تكمن مأساة «عمر الأزرق» في إحساسه بالذنب، وتأنيب الضمير، لأنه تسبب في وفاة شقيقته الطفلة «نور» (فرح عادل)، بعدما التهمت قطعة مخدرات تركها بإهمال، ظناً منها، أنها قطعة شوكولاتة، وعاش حياته مُطارداً بالكوابيس، وروح شقيقته، التي تؤنبه، وتطالبه بالرجوع عن الطريق الذي اختاره، فيما يتخذ من «ماغي» (هبة عبد العزيز) مغنية الملهى الليلي رفيقة وعشيقة، بعد أن يرى في ابنتها الطفلة صورة من شقيقته، التي تهدأ روحها، وتكف عن ملاحقته في صحوه ومنامه، بعدما يؤدي دوراً فاعلاً في القبض على قيادات مافيا المخدرات!

أراد نضال الشافعي أن يُضفي على فيلمه أهمية بالقول إن أحد أهم أسباب موافقته على العمل أنه «وجد فيه تشابهاً كبيراً مع فكرة «أرض الخوف»، الذي قدمه الفنان الراحل أحمد زكي مع المخرج داود عبد السيد»، وهي فرضية خيالية استمدها من مشهد «يتيم» جمع بينه والرائد «سالم» (محمد سليمان) اتفقا فيه على أن يتغلغل «عمر الأزرق» داخل دهاليز المافيا المهيمنة على تجارة المخدرات، سعياً وراء الإيقاع بهم، في فهم ساذج وقاصر وسطحي لما فعله «يحيى المنقبادي» (أحمد زكي) في «أرض الخوف»، الذي اعتمدت فكرته الرئيسة على اختيار ضابط شرطة في مهمة غير تقليدية، وعلى جانب كبير من الأهمية، تتمثل في زرع عميل من أسفل سلم أكبر تجارة غير مشروعة في مصر، وهي تجارة المخدرات، وهو ما لا ينطبق، مُطلقاً، على «عمر الأزرق»!

ظلم الشافعي نفسه، عندما ربط بين «عمر الأزرق» و{أرض الخوف»، فالفارق كبير بين الهزل والجد، والسطحية والرصانة، والتهريج والنظرة الفلسفية/ الميتافيزيقية، والإخراج المدرسي واللغة السينمائية الرفيعة. كذلك ثمة خط فاصل بين البطل الذي يُرغم على ولوج العالم السفلي، وابن البيئة الشريرة المنغمس في الوحل بإرادته، وهو المعنى الذي يؤكده المشهد الساذج الذي ينصحه فيه الأب بالتراجع والتوبة بعد 25 سنة من الاتجار في المخدرات، ورد الابن بأن «التراجع مستحيل في هذا التوقيت»، إذ تبدأ أحداث الفيلم في إيطاليا عام 2017، في إشارة غاية في السطحية إلى انتماء «عمر» إلى المافيا، بينما ظلّ «عمر الأزرق» مسخاً، وضعيفاً ومشوهاً، بعدما أراد المؤلف عمرو فهمي أن يجمع من خلاله بين «الأب الروحي» و{الوجه ذي الندبة»، وانتهى به الأمر، بعد الاختيار العجيب من المخرج إيهاب عبد اللطيف للممثل نضال الشافعي، إلى محاكاة «الباطنية» على أكثر تقدير!

في «عمر الأزرق» ادعاءات بالجملة. البناء الدرامي مهترئ، وأسلوب السرد مختل، والمطاردات هزيلة وعبثية ونُفِّذت بركاكة، ورؤية المخرج باهتة، فهو لم يترك بصمة من أي نوع، فجاء الأداء التمثيلي ضعيفاً، والكل في أسوأ حالاته، والإنتاج الفقير كان سبباً في اختيار طاقم تمثيلي لا علاقة له بالشخصيات الدرامية، فيما انعكس الفقر الإنتاجي على الصورة (كاميرا تامر جوزيف)، فجاءت سطحية، ووضعت الشركة المنتجة، التي يُعد «عمر الأزرق» باكورة إنتاجها، في حسبانها أن النجاح لن يتحقق من دون السير على درب «السبكية»، فاستدعت خلطتهم السحرية، التي تتكون من الفرح الشعبي والراقصة، فاكتمل الفشل!