لعل شهر أغسطس مرسومٌ عليه في لوح القدر أنه شهر اختبار معدن الشعب الكويتي، ونبل سريرته عند الشدائد، حيث يُثبت هذا الشهر دوماً أن شق صف وحدته وترابطه هو أمر عصيّ على الأحداث، مهما قست وعظمت، وأن التماهي مع الصيغة الوطنية الجامعة لمكونات الشعب هو رد فعل تلقائي عند المصاب، ولعل أغسطس 1990 ، شهر الغزو، كان العلامة الفارقة في تلك الدلالة، وقبله كان الترابط العفوي عند أحداث تفجير موكب الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، في الثمانينيات، وما تلاها من تداعيات.أغسطس 2017 شهد مجدداً حالة من الانصهار العفوي، بالحزن الوطني الشامل على رحيل فنان الشعب المرحوم عبدالحسين عبدالرضا، وأيقونتي العمل الخيري الكويتي وشهيديه الشيخين وليد العلي وفهد الحسيني، فأهل الكويت التأموا في جسد واحد، ولم يفرقهم مذهب أو عرق، وتحولت البلاد كلها إلى مجالس عزاء في الراحلين. والمرحوم عبدالحسين عبدالرضا، كما كتبت في مقالتي السابقة، جمّعنا في حياته حول أعماله، ووحّدنا في مماته حول جنازته، كذلك كان تجمعنا وتوحدنا في مسيرة الحزن الجماهيري خلف جنازتي الشيخين وليد العلي وفهد الحسيني.
مبهراً كان تداعي هيئات سنّيّة المنشأ لبناء مساجد ومراكز أعمال خيرية باسم عبدالحسين عبدالرضا الشيعي، وهيئات شيعية المنشأ لبناء مشاريع خيرية باسم الشيخين العلي والحسيني السنيّين.دلالة أخرى تجلت بتوقيع ما يقارب الألفين من رجال ونساء الكويت، من شتى المشارب والمكونات الاجتماعية، على بيان استنكار لمداخلة كريهة ومؤلمة، صدرت عن أحد غلاة المشايخ السنة، وهو غير كويتي، يدعو لعدم الترحّم على المرحوم عبدالحسين عبدالرضا؛ لأنه، حسب ادعائه البغيض، كافر، ومن أصول فارسية، وشيعي رافضي، وليس موحداً! هكذا نفث ذلك الظالم حقده الطائفي الأسود، ونزعته البغيضة، للتفريق بين المسلمين، حسب مذهبهم، ولكن جاءه الرد الصاعق والرافض من أهل الكويت، عبر هذا البيان الذي تشرفت بأن أكون أحد من تولى صياغته والتوقيع عليه، وشاركتنا فيه قطاعات كبيرة من أهل الكويت بشتى وسائل التعبير، وكذلك شاركتنا نخبة من المثقفين السعوديين يتقدمهم المفكر السعودي تركي الحمد وقينان الغامدي وعبدالرحمن الثابتي وسعيد السريحي ووحيد الغامدي، والفنان السعودي الكبير ناصر القصبي. البيان أدان الهجوم الداعشي الهوى على الراحل، وطالب بالمساءلة القانونية لصاحب المداخلة المستفزة، وما حمَلته من نفس طائفي تكفيري يحث على الكراهية ونبذ الآخر، وهو الأمر الذي ازدرى حرمة الميّت من جهة، وصادم مشاعر أهل الكويت في حبهم للفقيد وحزنهم الوطني عليه من جهة أخرى، والذي بلغ أن جيران المرحوم في منطقة سلوى، وهم من قبيلة العوازم الكريمة، ألغوا حفل زواج لأحد أبنائهم، مشاركة منهم في عزاء فنان الكويت الكبير. حري بنا الشكر والتقدير لاستدعاء السلطات القضائية السعودية لصاحب التغريدة المذمومة، والتحقيق معه، آملين أن يعاقب عليها ويكون عبرة لسواه من الموتورين أصحاب الفكر التدميري المتخلف، الذي لا ينتمي للغة العصر ولا ضرورات السلم الأهلي. التعلق بالوطن وريادته هو ركن أساسي للهوية الكويتية التي نفاخر بها عبر الأجيال، ولخصها الراحل "بوعدنان" بعبارة: "الكويت وبس".
أخر كلام
6/6 : «الكويت وبس»...
25-08-2017