تضخم الأصول لا يعني بالضرورة حالة سيئة، ففي وسع الحكومات الاستثمار في ميادين التعليم والبنية التحتية.

التيسير الكمي الذي شهد أكبر البنوك المركزية تشتري السندات الحكومية مباشرة وتضاعف أربع مرات ميزانياتها منذ سنة 2008 لتصل الى 15 تريليون دولار قد رفع أسعار الأصول على نطاق واسع. وكانت تلك هي الغاية التي هدفت الى مواجهة انكماش اقتصادي حاد وإنقاذ النظام المالي الذي أوشك على الانهيار، وعلى أي حال، لم يتم التفكير ملياً في العواقب الطويلة الأجل لهذه الخطة.

Ad

وفي الفترة ما بين سنة 2008 و2015 وصلت القيمة الأسمية للأسهم العالمية التي استثمرت في الأصول الى زيادة بنحو 40 في المئة وارتفعت من 350 تريليون دولار الى أكثر من 500 تريليون دولار. وعلى الرغم من ذلك فإن الأصول الحقيقية الكامنة وراء تلك الأرقام قد تغيرت بصورة طفيفة وعكست، في حقيقة الأمر، طبيعة الأصول التضخمية للتيسير الكمي. وتتسم تأثيرات تضخم الأصول بالعمق ذاته الذي يشتهر به تضخم المستهلكين أيضاً.

ويفضي تضخم أسعار المستهلكين الى تآكل التوفير وقيمة المكاسب المحددة نتيجة ارتفاع السعر، وبعيداً عن الألم الذي يعانيه المستهلك فإن مؤشرات أسعار الاقتصاد تتعرض لفوضى، وقد تقدم الشركات، عن غير قصد ومعرفة، على البيع بخسارة فيما يضطر العمال بصورة متكررة الى طلب زيادة في الأجور من أجل مواجهة الارتفاع في الأسعار، والخاسر الحقيقي في هذه الحالة هو من حرص على التوفير الذي يشهد تراجعاً في قيمة القوة الشرائية بشكل حاد.

اتهام الحكومات

ويقول جون ماينارد كينيز إن التضخم يمثل طريقة الحكومة في "مصادرة جزء مهم من ثروة الممواطنين بصورة سرية وغير مرئية، ويخلق التضخم الكثير من التوترات الاجتماعية التي تنطوي على أهمية كبيرة". وفيما تفضي هذه العملية الى إفقار العديد من الناس فإنها "تحقق ثراء للبعض، كما أن مشهد هذه الترتيبات الكيفية للأغنياء لا تؤثر في الجوانب الأمنية فقط بل في الثقة بالمساواة في التوزيع الحالي للثروة".

وقد تبين أن تضخم أسعار الأصول متشابه بصورة لافتة، فهو يعوق في المقام الأول التدمير الخلاق من خلال طرح معدلات فائدة سلبية في الأجل الطويل، ويسمح هذا للشركات التي لم تعد قادرة على تحقيق الدخل الكافي من أجل دفع عوائد ايجابية على رأس المال يسمح لها بأن تستمر في العمل بصورة عادية بدلاً من الاضطرار الى عملية إعادة هيكلة. وهكذا فإن النمو الملاحظ بقوة للشركات الزومبية يشكل واحدة من عواقب تضخم أسعار الأصول، وهكذا أيضاً هو التأثير غير المنطقي الذي شهده سوق العقار مع ما ينطوي عليه من مخاطر في المستقبل.

وثانياً، فإن ذلك يفضي الى خلق رابحين وخاسرين بشكل مصطنع، وتوجد شريحة الخاسرين بشكل أكبر في أوساط المتقدمين في السن من الطبقة المتوسطة الذين سيضطرون الآن وفي محاولة للحفاظ على مستويات الاستهلاك في المستقبل الى زيادة وفوراتهم.

وفي حقيقة الأمر فإن التوفير الذي حققته الطبقة العاملة نتيجة ثبات الأجور يفضي بشكل فعلي الى دخل أقل في المستقبل لأن الأصول القابلة للاستثمار قد أصبحت أكثر تكلفة، وكلما كانت الجوانب الديمغرافية أكبر كانت هذه التأثيرات أشد وضوحاً، وعلى سبيل المثال تعرضت ألمانيا الى انكماش بنحو 4 في المئة في الناتج المحلي الاجمالي في إنفاق المستتهلكين في الفترة بين سنة 2009 و2016.

الأثرياء هم الفئة الرابحة

الفئة الرابحة هي الأثرياء الذين كانت لديهم وفورات في بداية العملية، والذين شهدوا القيمة الاسمية لأصولهم ترتفع بصورة فلكية، ولكن كما هي الحال في تضخم المستهلكين فإن الرابح الأكبر هي الدولة التي تملك في الوقت الراهن ومن خلال سلطتها النقدية جزءاً كبيراً من ديونها، كما أنها تدفع بشكل فعلي فائدة الى نفسها وبقدر أقل كثيراً لأنه عندما يؤخذ كل شيء في الحسبان يتحول تضخم الأصول الى ضريبة نقدية.

التشابة اللافت بقوة بين تضخم أسعار المستهلكين وتضخم الأصول يكمن في كون ذلك ينطوي على امكانية التسبب في اضطراب اجتماعي، ففي سبعينيات القرن الماضي توجه العمال نحو تصرف صناعي من أجل المساومة على زيادة في الأجور تمشياً مع الزيادة في الأسعار.

واليوم يتملك الغضب بصورة متزايدة الطبقة المتوسطة الضعيفة التي تعرضت الى تراجع في أجورها طوال عقود من الزمن وهي تشهد حالة الأفراد الأكثر ثراء في المجتمع، وهي تسعى الى عدالة اجتماعية عن طريق الحركات الشعبوية خارج نطاق الجدال بين اليمين واليسار. وقد أسهم الاضطراب النقدي الناجم عن التيسير الكمي بشكل شبه مؤكد في ظهور أصوات الاحتجاج التي لوحظت في العالم الغربي.

مسؤولية البنوك المركزية

تتحمل البنوك المركزية الآن مسؤولية كبيرة، لأنها اذا تجاهلت التأثير المحتمل للاجراءات التي تقوم بها فإنها سوف تسرع في خلق حالة من التقلبات السياسية، ومن جهة أخرى اذا أمكن نقل المكاسب التي حققتها الدولة من التيسير الكمي الى خلق ثروة اقتصادية حقيقية والى اعادة توزيع فإنها ستحقق النجاح المنشود.

وهذا أمر ممكن بصورة تامة، وبدلاً من الجدال حول كيفية وسرعة إنهاء برنامج التيسير الكمي فإن أصول البنك المركزي التي نجمت عن هذا البرنامج يجب أن توضع في صندوق ضخم للتعليم والبنية التحتية، كما أن الفوائد التي تحققت من خلال تلك الأصول يمكن أن تمول استثمارات عامة حقيقية مثل البحوث والتعليم وإعادة التدريب.

وإذا تم استثمار العوائد الناجمة عن برنامج التيسير الكمي في سياسات توسيع النمو فإن الأرباح ستساعد في تمويل متقاعدي الغد وتحويل تضخم الأصول الذي طرحته الحكومة الى استثمار لا الى مجرد ضريبة.