ذكر تقرير "الشال" الأسبوعي، إن الحكومة الفرنسية أتاحت أسبوعين -من 1 إلى 14/08/2017- وعرضت شراء أسهم "أريفا" الفرنسية من ملاك الأقلية وأكبرهم الكويت، وبسعر 4.5 يورو للسهم أي بنحو 13.85 في المئة من سعر الشراء، وباعت الهيئة العامة للاستثمار حصتها البالغة 4.82 في المئة أي 18.46 مليون سهم، وحصلت على 83 مليون يورو، بفارق بنحو 517 مليون يورو عن قيمة الشراء البالغة نحو 600 مليون يورو، وقدرت خسائرها بنحو 86 في المئة.

ولفت "الشال"، إلى تعمده تأخير صدور تعليق في تقريره على الصفقة لمبررين رئيسيين، الأول ما ذكرته الهيئة وهو صحيح، بأن المحاسبة يفترض أن تكون على الأداء الكلي لكامل استثمارات الصندوق السيادي في أي سنة مالية، وليس أداء استثمار ضمنه، والثاني هو أن الكويت حالياً في مفترق طرق، ويفترض أن تبدأ بتغيير جوهري لوظيفة استثماراتها، لذلك غرضنا ليس إثارة جدل حول الصفقة، وإنما استخدام استثمار "أريفا" مدخلاً للدعوة لتغيير جوهري مطلوب في وظيفة صندوق الأجيال القادمة بتحويله إلى صندوق تقاعد بعد مؤشرات حول بدء التقاعد لعصر النفط.

Ad

وفي التفاصيل، فإن الاستثمار في "أريفا" جاء في زمن بدء الرواج الكبير لسوق النفط بعد أزمة عام 2008، وجاء في زمن يشهد نزعة للاتجاه إلى استخدام الطاقة الذرية، وجاء بعد استشارة مستشار عالمي، وتم الشراء بسعر أدنى من الحد الأدنى الذي قدره المستشار البالغ 365 يورو، وبسعر 325 يورو قبل تجزئة السهم إلى 10 أسهم، لذلك يفترض أن الهيئة قامت بما يتطلبه إجراءات إتخاذ القرار الاستثماري.

ورغم ذلك، كان للقرار خطاياه، فالقرار جاء لشراء جزء من حصة شركة "سيمنز الألمانية" في "أريفا" البالغة 34 في المئة، وتوظف "أريفا" 3600 ألماني محترف، ومع "سيمنز" كل الصناعة الذرية الألمانية، ورغم ذلك، جاءت شكوى الشريك القوي "سيمنز" نتيجة ضيقه من هيمنة الشريك الحكومي الفرنسي على سلطة إتخاذ القرار. وشكوى وعجز شريك بهذا الحجم، وبهذه الإفادة والإستفادة من الشراكة، يجعل إحلاله بمساهمي أقلية أكبرهم الكويت بحصة 4.82 في المئة، لا معنى له للمساهمين الجدد.

والقرار تم بعد شراء "أريفا" شركة يورانيوم مدرجة في بورصة "تورنتو" -كندا- في عام 2007 عندما كانت أسعار اليورانيوم نحو 135 دولاراً أميركياً، بينما كانت أسعاره في زمن قرار الشراء الكويتي 42 دولاراً، وكانت "أريفا" تعاني مشاكل مع استثمارها في تلك الشركة في أسعار اليورانيوم وفي حجم احتياطياتها منه بحلول نهاية عام 2010، زمن الصفقة.

كذلك كانت هناك معلومات عامة عن قضية تحكيم مرفوعة في عام 2008 ضد الشركة بالاشتراك مع شركة "سيمنز" الألمانية للتعويض بمبلغ 3.5 مليارات يورو نتيجة للمشاكل التي كانت تعانيها في تنفيذ عقد بناء مفاعل في فنلندا.

وتم توقيع صفقة الشراء في 28 ديسمبر 2010، وكانت من الأفضل الانتظار حتى نشر البيانات المالية لـ "أريفا" بعد نهاية العام، وحينها سوف تظهر مشاكلها المالية ومخصصات استثمارها في شركة اليورانيوم، وكانت معرفة الوضع المالي للشركة من الممكن أن تلغي قرار الشراء.

وأخيراً، لم تكن الكويت في كل الأحوال سوف تستفيد من شراكة تكنولوجية ولا من فرص عمل، ولم تكن المخاطر الكبيرة تبرر العائد المالي المحتمل من الاستثمار.

والأصل في محاسبة أي جهة استثمارية هو على المعدل الكلي لأداء استثماراتها، وليس صفقة ضمنها، وسوء الحظ لازم هذه الصفقة، ففي عام 2011 حدثت كارثة "فوكوشيما"، وحدثت في اليابان الحريصة، وليس "شيرنوبل" في روسيا، مما أدى إلى تدهور كبير في تفضيل تلك الصناعة، بالإضافة إلى احتمال تعرض الكويت لخدعة أو إخفاء مقصود لمعلومات حول الشركة من قبل إدارتها ومن قبل الحكومة الفرنسية المالك الرئيسي فيها.

لكن أوضاع سوق النفط لم تعد كما كانت في بداية العقد الجاري، وسوف تسوء في العقد القادم، ولم تعد وظيفة صندوق الأجيال القادمة وظيفة مساندة في دعم الأوضاع المالية، وإنما الوظيفة الرئيسية في تمويل المالية العامة، على الأقل حتى تنجح الكويت في خلق اقتصاد يمول نفسه من الضريبة على نشاطه.

وقد أعلنت الهيئة العامة للاستثمار تحقيقها معدل عائد على استثماراتها للسنوات المالية الأربع الفائتة بحدود 5.1 في المئة، "ونعتقد أنه معدل قريب من المستهدف المقترح من قبلنا والبالغ 6 في المئة ليصبح ذلك العائد المصدر الرئيسي المستدام الممول لـ 60 في المئة من نفقات الموازنة العامة، وعليه، يبنى التحول في مفهوم استدامة المالية العامة. وتغيير وظيفة الاستثمار، تجعل وحدة القياس والحكم على أي استثمار، هي في أهمية دوره في تحقيق الهدف الكلي لمجمل استثمارات الصندوق، وحينها لن يكون الاستثمار في أي حقل مُتاحاً، وتصبح المعايير موحدة للمحاسبة على القرار، مكافأة إن أصاب وعقاب إن أخطأ".