قالت "بي بي سي" في خبر رئيس لها، أمس الأول الجمعة، إن خمسة أشخاص قُتِلوا على الأقل، في شمالي الهند، بنيران قوات الأمن، بعد اندلاع أعمال عنف وشغب، إثر إدانة "رجل دين" بتهم الاغتصاب.

وهاجم أنصار المدعو "جورميت رام رهايم سينغ"، نهاية الأسبوع الماضي، محطات القطارات، وأحرقوا اثنتين منها، في مدينة بانشكولا شمالي البلاد، بعدما وجدت المحكمة أن "سينغ" اغتصب امرأتين من أتباعه قبل 15 عاماً.

Ad

وواصلت "بي بي سي" روايتها للمشهد المثير؛ فقالت إن "أكثر من 200 ألف شخص من أتباع الرجل حضروا خارج المحكمة، وبدأوا بتحطيم السيارات فور صدور الحكم عليه"، لكن السلطات الهندية شددت إجراءاتها الأمنية بشكل كبير، تحسباً لحدوث اضطرابات وأعمال شغب.

تقول وسائل الإعلام الهندية إن "سينغ" ليس رجل دين عادياً؛ فهو ليس مسيحياً، ولا هندوسياً، لكنه يبشر بدين جديد، ويدعي النبوة، ولم يكن الأشخاص الذين حضروا لمساندته في المحاكمة، سوى قطاع محدود من أتباعه، الذين يزعم أنهم يقدرون بعشرات الملايين حول العالم.

يقدم "سينغ" نفسه بوصفه "نبياً"، لكن ذلك لم يمنعه من أن يغني في حفلات "الروك" الموسيقية، ويمثل في الأفلام، ويشارك في الإعلانات، حتى إنه يُلقب بـ"أبو الروك"، ويشتهر بثيابه ذات الألوان البراقة، ويستخدم "الماكياج" و"الإكسسوار" بمبالغة شديدة، وقد تم توجيه تهم له بإجبار أتباعه على الخضوع لعمليات إخصاء جنسي تقرباً من "الإله".

لا يجب أن نستغرب وجود شخص مثل "سينغ"، يدعي النبوة، ويرتدي ثياب مهرج، ويغني على موسيقى "الروك"، لكن ما يمكن أن يثير دهشتنا حقاً أن يجد مئات الآلاف من الأتباع المخلصين، وأن يظل هؤلاء الأتباع على إخلاصهم، حتى بعد أن تتكشف وقائع اغتصابه نساءهم، أو إجبار بعضهم على أن يُخصي نفسه.

يسجل التاريخ الكثير من الأمثلة على بعض الجماعات التي أظهر أعضاؤها طاعة مماثلة لأدعياء مختلين؛ ومنها "الطائفة الجبلية" في تركيا في القرن الثاني، و"الحشاشين" في فارس وسورية في القرن الحادي عشر، وطائفة "تجديد التعميد" في هولندا في القرن السادس عشر، و"السبتيين" في أزمير في القرن السابع عشر، و"فرقة يوم الحساب" في شيكاغو في القرن الماضي.

استطاع فريق بحثي رفيع المستوى من جامعة "مينيسوتا"، أن يتنكر ويخترق "فرقة يوم الحساب"، ويعيش بين الجماعة كجزء منها، بغرض دراسة أفكار أعضائها وسلوكياتهم.

كانت فكرة "فرقة يوم الحساب" الرئيسة تقوم على أن أعضاء الجماعة "أطهار وأبرار وربانيون وأعلى أخلاقياً ودينياً من الآخرين"، ولذلك فإن ربهم سيضرب العالم بطوفان يبدأ من السواحل الغربية للولايات المتحدة، ويمتد ليغرق الكرة الأرضية، لكنه سيخصهم بأطباق طائرة، ستأتي في منتصف ليلة محددة لتلتقطهم، وتأخذهم إلى الخلاص، ليعيشوا في عالم أفضل.

يقول فريق "مينيسوتا" إن الجماعة كانت تضم أشخاصاً مأزومين نفسياً، وتقوم على نظام "السمع والطاعة"، وإن قادتها كانوا يزعمون أنهم "يتلقون كتابة ربانية على كف إحدى العضوات تحمل الأوامر والتعليمات التي يجب اتباعها بصرامة"، وأن أعضاء الجماعة كانوا أسرى تماماً لكل فكرة أو أمر يأتيهم من قيادتهم.

على أي حال؛ فقد أفادت "الكتابة الربانية" المزعومة، أنه تم تحديد يوم الطوفان، ومن ثم هبوط الأطباق الطائرة، والتقاط أفراد الجماعة، وأن هذا سيحدث عند منتصف ليلة اليوم المحدد تماماً، وتم تزويد الأعضاء كذلك ببعض الطقوس والممارسات التي يجب الالتزام بها لضمان "عملية التقاط ناجحة".

يقول فريق "مينيسوتا" إن أفراد الجماعة أمضوا اليوم المحدد لوصولهم إلى الخلاص في حالة من التفاؤل والشغف والسعادة البالغة، وأنهم حرصوا على قراءة "نصوص ربانية" تم تزويدهم بها من قبل القادة.

يوضح الفريق العلمي أن أفراد الجماعة كانوا ينتمون إلى طبقات اجتماعية مختلفة، وأن معظمهم ترك وراءه أسراً ووظائف أو أعمالاً تجارية، وأن بعضهم بدد مدخراته، أو أنفقها على أعضاء الجماعة الفقراء والمشردين.

لقد ظل أعضاء الجماعة منتظرين لأربع ساعات كاملة بعد الموعد المحدد للطوفان وقدوم الأطباق الطائرة دون جدوى، وأخذ بعضهم يصرخ بمرارة موجهاً نظراته الحادة إلى قادة الجماعة: "لقد فقدت كل أموالي"، و"ضاعت حياتي"، و"إنها إذن كذبة كبيرة"، بينما راح آخرون يقترحون أنه ربما كان هناك خطأ في قراءة نص "الكتابة الربانية"، وأن اليوم المحدد للطوفان لم يحن بعد.

كانت الأجواء عصيبة للغاية، وانتاب أعضاء الجماعة شعور مركب من اليأس والذهول والإحباط الشديد، وراح البعض يضرب رأسه في جدار المستودع الذي تجمعوا فيه انتظاراً للأطباق الطائرة، بينما توجه آخرون لمعاتبة بعض قادة الجماعة.

يثني فريق "مينيسوتا" على "سرعة بديهة" بعض هؤلاء القادة ثناءً كبيراً، ويطعن في عقل أفراد الجماعة "المأفونين" طعناً مبطناً؛ إذ يقول إن قادة الجماعة أفادوا بوصول رسالة "ربانية" تقول إن رب الجماعة قرر العفو عن البشرية بسبب إخلاصها وإيمان أعضائها.

لكن الرسالة تشير إلى أن ذلك العفو مشروط ببقاء الجماعة متماسكة وملتزمة بالطقوس الإيمانية، وأن موعداً جديداً لـ"الخلاص" سيتم تحديده في وقت لاحق بناء على التطورات.

يستغرب فريق "مينيسوتا" كثيراً لأن عدداً كبيراً من أعضاء الجماعة الذين فقدوا أموالهم وحياتهم واعتبارهم، واكتشفوا أنهم تعرضوا لخدعة كبيرة من أفاكين أدعياء، لم يفتكوا بالهيئة القيادية، ولم يوجهوا لها اتهامات بالكذب والاحتيال، ولم يتركوا الجماعة ويثوبوا إلى رشدهم، بل ظلوا مرابطين معها في انتظار "الأطباق الطائرة" التي ستحملهم إلى "المعنى الأعلى" الذي لن يأتي أبداً بطبيعة الحال.

لكن سيالديني لا يستغرب أبداً؛ إذ يرى أن سلوك أعضاء الجماعة مفهوم؛ لأن الأفراد المنقادين الذين يكتشفون تورطهم بالكامل في مستنقع عفن، يفضلون عادة الاستمرار "ضمن القطيع" حتى لو كان سيأخذهم إلى حتفهم، عن أن ينشقوا ويصارحوا أنفسهم بأنهم كانوا "بلهاء ومخدوعين"، وهذا التحليل بالذات يمكن أن يشرح لماذا يضحي مئات الآلاف من أتباع "سينغ" بعقولهم ومصالحهم وأمنهم، من أجل آفاك يغتصب نساءهم، ويخصيهم، ويغني على موسيقى "الروك".

* كاتب مصري