بعد أيام، ستمر الذكرى السادسة عشرة لأحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية الفارقة؛ للعالم بصفة عامة، وللمسلمين بصفة خاصة، تلك الجريمة التي دفع المسلمون والعرب أثماناً باهظة لها. ورغم مرور تلك الفترة الزمنية الطويلة، فإن المسلمين فشلوا في معالجة التشدد الإسلامي الفكري، الذي ينتج الإرهاب والتنظيمات الوحشية التي تقوم بأعمال بربرية عنوانها الجهاد الإسلامي.

ورغم مُضي عقد ونصف من الزمن على ذلك الحدث، ومع كل المؤتمرات والخطط والبرامج التي وضعتها الدول الإسلامية لمحاربة الفكر المتطرف والأموال الطائلة التي صُرفت على ما يُسمى ببرامج وحملات "الوسطية"، فإن مدارسنا ومناهجنا التربوية ووسائل إعلامنا وخطب دُعاتنا تنتج الإرهابيين، وغالبيتهم من الأطفال الذين وُلدوا بعد أحداث سبتمبر 2001، فمعظم مَن ينضمون لـ"داعش" من الأغرار ممن هم في سن 17 و18 عاماً، وكذلك مَن يدهس المدنيين في شوارع أوروبا أو يفجِّر الحفلات الموسيقية.

Ad

كل هؤلاء الفتيان دخلوا النظام التعليمي في فترة أوج الحديث عن تعديل المناهج وخطاب الوسطية ومواجهة التشدد الفكري الديني، ورغم ذلك لبسوا الأحزمة الناسفة، وفجَّروا أنفسهم في العراق، وجزوا الرقاب في سورية، ودهسوا المشاة في أوروبا، فأين الخلل؟ ولماذا فشلت خطط مكافحة الفكر المتشدد؟

نعم، هناك أيادي استخبارات تتلاعب بتلك التنظيمات الإرهابية، وتستخدمها لمصالحها السياسية، ولولا التنظيمات الإرهابية لما استطاعت إيران أن تتغلغل بهذه السرعة، وتتمدد في العراق، ولولا أيضاً وجود "داعش" لما استطاع نظام الأسد في سورية أن يخمد الثورة السورية الوطنية، وينجو من جرائمه، ويبقى في الحُكم، ويحصل على دعم دولي مباشر وغير مباشر.

وأيضاً، لولا وجود الفكر المتطرف وتجذره في العقول، لما استطاع أحدٌ أن يجند هؤلاء الشباب، ليستخدمهم في تحقيق أجنداته الخاصة.

الحقيقة، أن كل كلام المسؤولين المسلمين عن الإصلاح الديني والوسطية ومحاربة الفكر المتطرف، هو كلام بلا مضمون، فالمناهج التربوية، كما هي، تُعلي قيم القتال وتُمجد الغزوات والفتوحات على حساب قيم التسامح والمحبة في الإسلام، ومازال الخطاب الديني متغلغلاً في الحياة السياسية دون تجريم، وخطاب الدُعاة ملتبساً وغير صارم تجاه أفكار التطرف.

الواضح أن مجتمعاتنا مازالت تنتج الإرهابيين، ومازالت غير قادرة على إطلاق عملية كبرى وجريئة لتحديث وإصلاح الفكر الإسلامي، كما أن النظم السياسية مازالت تعتمد في وجودها وشرعنة بقائها في السلطة على الخطاب الديني، وليس على ما وصلت له البشرية من أسس الدولة المدنية الحديثة. لذا، فإن الأمة الإسلامية مقبلة على مزيد من المواجهات مع العالم، والتي ستكون نتائجها المزيد من الخسائر والمعاناة للمسلمين حول العالم وفي أوطانهم.