حسب علمي لا توجد محكمة دولية للنظر في قضايا يرفعها أفراد ضد دول ذات سيادة، غير المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، واختصاصها محصور على الدول الموقعة على اتفاقية هذه المحكمة، وإذا هدد وافد مثل ذلك المدرس المصري بالشكوى ضد الكويت لانتهاكها حقوق المدرسين الوافدين، كما يزعم، عند المنظمات الدولية كمنظمات حقوق الإنسان، وهي ليست محاكم، فهذا شأنه وحقه مثلما هو حق أي فرد يعتقد أن حقوقه في المساواة والكرامة الإنسانية أهدرت في أي دولة، وإن كان له حقوق مالية وغيرها لخرق الدولة لعقود بينها وبينه، فكان أولى أن يتقدم للمحاكم الكويتية لإنصافه، وقد أنصفت تلك المحاكم غيره في قضايا ادعاءات بخرق تعاقدات بين وافدين والدولة.

لماذا هذا التشنج والغطرسة المتعالية من نواب وجماعات في الإعلام ضد معظم الوافدين، وتصويرهم وكأنهم ناكرون لنعمة الكويت وفضلها عليهم، وتمثيل الوافدين الذين يشكلون ثلثي السكان بأنهم مجرد جماعات غازية، جاءت لتأخذ من "نعمتنا وخيرنا" ثم تتوكل على الله؟! ليت أصحاب العنتريات البلاغية يسألون أنفسهم كل مرة عندما يجلسون في بيوتهم المكيفة المريحة، والتي قام بتركيبها وصيانتها وافد هندي مثلما قام ببناء منازلهم وافد مصري أو إيراني أو بنغالي عمل في درجات حرارة تجاوزت الخمسين، ولم تأبه له ولا لغيره الدولة، ليسأل هؤلاء الأبطال الكويتيون عن جناسي الذين بنوا وصانوا فللهم ومنازلهم، ليسألوا عن جنسية الممرض والممرضة التي تقيس درجة حرارتهم وتخدمهم وتخدم أهلهم في المستشفيات، وتقوم (ويقوم) بتنظيفهم وهم على فراش المرض، ليسأل أبطال الدولة أنفسهم في أي مكان في زمن دولة الريع الاتكالية عن الهويات الوطنية لمعظم الذين يخدمون ويعملون بصمت في الدولة، ولا أحد يتحدث عنهم أو يسمع شكاويهم حين يهددون في أرزاقهم وفي وجودهم وكأنهم نكرات وطفيليات هبطت من فضاء مريض على دولة الخير والعطاء كما يذكرنا عناترة الجنسية الكويتية.

Ad

كانت افتتاحية "الجريدة" بعنوان "التجني على الوافدين ليس من شيمنا" عادلة ومشرفة، وقد سبحت "الجريدة" في هذا ضد تيار عنصري عنيف تغرق فيه الدولة بعد أن انخفضت موارد الرزق، ووجدت بعض الصحف نفسها تخوض فيه تحقيقاً لفلسفة "الجمهور عاوز كده"، وزايدت و"تعنترت" مع "المتعنترين" كي تكسب لا من عقل ووعي مواطنين إنسانيين، وإنما من مشاعر استياء عامة تجتاح العديد هذه الأيام، وما تفعله هذه الصحافة ومعها بعض السياسيين هو رصف طريق لفاشية خليجية كانت بذورها مغروسة في عمق أرض الدولة منذ زمن طويل، ومنذ لحظة بدء الاستعانة بالوافدين لبناء الدولة الحديثة، والآن بعد "اهتزاز الحالة المالية" بتعبير الشاطر فهد البسام في مقاله أمس الأول بهذه الجريدة، أخذت تنمو أشواك الكراهية ومقت الوافدين.

هناك وافدون "تمصلحوا" من الدولة ومن غياب أجهزة الرقابة الإدارية والمالية، وهناك مستشارون أجانب وغيرهم وقعوا عقوداً برواتب كبيرة دون وجه حق، وجاء بعضهم ليمارس دور "ترزية" القوانين، كما يريدها أصحاب السلطان، لكن من هم أصحاب السلطان هنا غير كويتيين أبناء كويتيين بثقافة شيخ ولد شيخ، ومن يكون هذا الوافد الذي يستغل بسطة أو دكاناً في سوق مملوك للدولة، وتقوم القيامة ضده لأنه بزعمهم وافد يمتص خيرات البلد غير إنسان جاء عبر واسطة ونفوذ ومصالح كويتي ابن كويتي هو المؤجر والمنتفع للعين والذي يجلس مرتاحاً ويقبض الأجرة كل شهر، مثلما يقبض معظمنا "أجرة الريع" النفطي حسب الجنسية، فهل يعني هذا أن نصم كل الوافدين بالاستغلال وندينهم دون وجه حق؟

نهج البحث عن أكباش فداء من الوافدين كي نعلق عليهم الإحباط العام وسوء الإدارة وعجزنا عن تغيرها، هذا النهج "الترامبي" (نسبة للرئيس ترامب) بالالتفاف عن قضايا الدولة المزمنة وأسبابها، خطير، هناك في أميركا، على الأقل، يملكون المؤسسات التي تحد وتراقب تجاوزات السلطة الرئاسية... أما هنا فأنتم أعلم بالحال.