الواسطة باتت شعارا ومفتاحا لكل المعاملات التي تتخطى القوانين بالمحسوبية، وتستولي على حقوق مَن هم أحق وأكثر جدارة، فمن أين أتت هذه الواسطة، وهل لها جذور تاريخية، من قوانين قديمة مثلا إجازتها، أو لها أصول دينية، أو أنها عُرف متوارث منذ الأزل أصبح متجذرا بمرور الوقت وتعقد الحياة المدنية؟!

لا أعرف بالضبط زمن منشأها وأسبابه، لكن بالتأكيد لم يكن حالها بمثل هذا التفشي المرضي الذي أصبح قاعدة للتعامل، بدلا من أن يكون استثناء.

Ad

الواسطة باتت ظاهرة لتأسيس وتكريس ثقافة تجاوز القوانين واختراقها وعدم احترامها وانعدام جدواها، وهي حالة تخص العالم العربي والخليجي، وعلى وجه الخصوص الكويت، فمن أين أتت وكيف أصبحت وباء في وطننا، وبات فيتامين "واو" هو الأصل في التعامل؟! ولماذا لا توجد ظاهرة الواسطة في العالم الغربي، لماذا هي حالة عربية فقط؟!

الجواب، لأنه بكل بساطة لديهم ثقافة احترام القوانين وتعلمها منذ الصغر، ولا يوجد أي مظهر لمفهوم الواسطة بكل ما يتعلق بحياة الناس ومصائرهم، ولا يمكن لأي كان تعديها أو اختراقها، مهما كان وضعه الاجتماعي، من رئيس الدولة إلى أقل الأفراد شأنا، فمبدأ العدالة الاجتماعية سيَّد المعاملات كلها. كل مواضيعهم تسير بالقانون، الذي لا يسمح لأي فرد، مهما كانت قيمته الاجتماعية، أن يتخطاه، الكل سواسية في الحقوق أمام القانون، وهو ما يحقق العدالة بين أفراد المجتمع، فمن تنطبق عليه الشروط المطلوبة يحصل على حقه بالأولوية، مهما كانت قيمته بالمجتمع ضئيلة، القانون يطبق العدالة بلا أي محسوبية، لأن لديهم ثقافة تنمي وتربي المواطن منذ الصغر على أن يكون احترامه للقوانين وطاعتها من أولويات وجوده في وطنه.

وإن وجدت الواسطة، فهي على مستوى الدول، مثل الوساطات المالية والاقتصادية والصفقات الدولية والمصالحات، لكنها لا تأتي أبداً على حساب حقوق المواطنين لديهم.

الواسطة لدينا نمت وانتشرت واستأسدت بغياب العدالة الاجتماعية واختراق قوانينها والتلاعب بها وبمخارجها، وفق من تفصل وتجهز له على مقاسه الذي يناسبه، لأنها باب لتبادل المصالح والمنافع الشخصية، حتى وإن كانت غير قانونية، لأجل عيونها يُكسر القانون.

الكويت بلد جميل متسامح، الناس تحكمهم علاقات ودية متزنة مرتاحة، فقط هي بحاجة إلى تصحيح الأوضاع غير القانونية التي يخترقها الفساد، وأن تكون هناك رقابة تضبط وتحاسب كل الاختراقات التي تتعدى على القوانين، وأن تحاسب وتكشف وتعاقب كل مَن يتخطاها ويتجاوزها لأي محسوبية كانت. تشديد الرقابة والمحاسبة والمعاقبة يرد للقانون هيبته واحترامه.

للأسف، هناك ضياع لحقوق المستحقين والموهوبين والمؤهلين، إن لم يحصلوا على واسطة تأتيهم بحقوق هم أصلا مستحقوها من غير تخطيهم وسلب حقوقهم، لأجل آخرين كل مؤهلاتهم أنهم مدعومون بالواسطة من شخص اخترق القانون، ليفصّله على مقاس المدعوم، الذي استلب حق شخص آخر مؤهل أكثر منه، لكنه لا يملك واسطة تعيد إليه حقه.

أصعب شيء في الحياة أن تحبط وتسحق أحلام وآمال إنسان مستحق لأجل آخر أخذ مكانه دون وجه حق.

للأسف، الواسطة بمجتمعنا بات معناها تجاوز القانون، دون أي مخافة أو توقع لمعاقبة أو محاسبة أو ردع، لأن الواسطة استلبت هيبة القانون، حتى بات تصريف أبسط معاملات الأمور الحياتية يجعل المواطن يبحث عن واسطة لحلها، فالدخول على طبيب معروف يحتاج إلى واسطة، وتخليص معاملة أو أوراق حكومية للبلدية أو أي وزارة أو أي جهة فيها دون تطويل و"مطمطة" الوقت واستهلاك جهد المواطن يحتاج إلى واسطة، والتقدم للحصول على وظيفة ملائمة للمؤهلات العالية للمتقدم يحتاج إلى واسطة، وإلا فلن يُنظر إليه ولا إلى مؤهلاته "يبلها ويشرب ماءها"، إن لم يكن لديه فيتامين "واو" وهو الواسطة.

أغلب النواب في مجلس الأمة دورهم هو إيجاد واسطات لناخبيهم وتسهيلات لمعاملاتهم الحياتية، وعلى هذا الأساس تم اختيارهم من قبلهم.

السؤال: هل القانون يعجز عن تسهيل وقضاء حاجات المواطنين من دون الواسطة؟

إذا كان الجواب أنه عاجز عن تسهيلها وحلها، إذن ما فائدة وجوده، إن كان ليس له أي أهمية أو قيمة لديهم؟

القوانين لا توضع لأجل تجاوزها واختراقها وعدم احترامها، القوانين وُضعت لأجل كفالة حقوق الناس، وفرض العدالة الاجتماعية للجميع، حتى لا يحتاجوا إلى الواسطة.