المتأمل لتصريحات بعض أعضاء الحكومة ومجلس الأمة يصاب بخيبة أمل كبيرة، لأن ما يتناولونه في تصريحاتهم بشأن مشكلات البلد الكثيرة ووعودهم بحلها أصبح مكرراً عشرات المرات دون حل حتى أصبح ترديدها اليوم مثيراً للغضب والسخرية. شكوى بعض النواب من تضخم الجهاز الحكومي، وتعيين غير الكويتيين برواتب عالية في الحكومة، وتذمرهم من اختلال التركيبة السكانية، وندرة الكويتيين في بعض التخصصات وتكدسهم في غيرها، والشكوى من عجز الميزانية مع اقتراحات بالمزيد من الكوادر والإعفاءات، والمطالبة من قبل الحكومة بزيادة الرسوم والتصريح من قبل النواب برفضها، وفي النهاية وعلى عكس ما يصرحون يفشل الجميع في وضع الحلول وتنفيذها، وهكذا تدور معركة طواحين التصريحات التي يعجب منها حتى "دون كيشوت" نفسه.
المواطن المتابع يعلم أن جميع هذه المشكلات قد تم توقعها، وكذلك الآثار المترتبة عليها منذ سنوات، كما تم وضع الحلول العلمية لها، ولكن الحلول تم وأدها ولم تنفذ، وتفاقمت الاختلالات، وأصبحت مادة دعائية لبعض النواب تكرر دون حل، ووعود تردد لبعض الوزراء تنافس وعود علي جناح التبريزي دون إجراء فعلي. وعلى غرار قرية التبريزي مازال كثير من الناس يصدقون هذه الوعود وينتظرون الحل بعد كل حملة انتخابية وكل تصريح. فلنأخذ مثلا مشكلة تضخم الجهاز الوظيفي الحكومي وتعيين غير الكويتيين وزياداتهم المالية وصعوبة إحلال الكويتيين، فهذا الموضوع تمت دراسته منذ سنوات طويلة في مجلس الأمة ومجلس التخطيط ولجنة إصلاح المسار واللجنة الاستشارية الاقتصادية، وكلها قدمت التوصيات والحلول نفسها، ولكن معظم مجالس الأمة المتعاقبة وبعض الحكومات أيضا لم يكتفوا بعدم تنفيذها إنما تم تنفيذ إجراءات تخالف هذه التوصيات، كما تم سن تشريعات من المجلس تناقضها أيضاً.وهذا ينطبق أيضاً على مشكلة ضعف مساهمة القطاع الخاص في التوظيف، واختلال التركيبة السكانية، وتردي نسبة الإيرادات غير النفطية ومشاكل الفساد والعلاج في الخارج وتضخم الإنفاق الجاري وهكذا. تلك الدراسات والاقتراحات والحلول السليمة كانت تحتاج فقط إلى إرادة وقرارات غير شعبوية لوضعها موضع التنفيذ، ولكن كان العيب ولا يزال في معظم أعضاء المجلس والحكومة الذين لم يستطيعوا وضع التشريعات والإجراءات المناسبة لتنفيذ تلك الدراسات والتوصيات، وغرقوا في كسب رضاءات شعبوية كاذبة ومدمرة لمستقبل البلاد. وخير مثال سريع على ذلك إحصائية بينت أن عدد بعض التخصصات يفوق الحاجة الفعلية بالنسب التالية:الآداب 235%، الشريعة 707%، العلوم الاجتماعية 74%، الحقوق 275%.في حين تفوق الحاجة الفعلية للبلاد إلى التخصصات العلمية ومهن أخرى عدد الخريجين بكثير! والمشكلة في ازدياد أيضا حيث سيصل مجموع الخريجين إلى أربعمئة ألف حتى سنة 2030. هذه الأرقام نشرت وكانت معروفة منذ زمن واتهمت المعالجة المخلصة لها بأنها غير شعبية، وأنها ضد المواطن وتم إبعادها، فكانت النتيجة أن نعيش دوامة التصريحات من جديد عن تضخم الجهاز الحكومي وتعطل مصالح المواطنين والعجز في الميزانية التي يلتهم الصرف الجاري أكثر من ثلاثة أرباعها، واختلال التركيبة السكانية ويستمر "دون كيشوت" بإلقاء المسوؤلية على التبريزي، والتبريزي يلوم "دون كيشوت"، وهكذا دون حلول فعلية، والله يعين أجيالنا المقبلة.
مقالات
رياح وأوتاد: يقتلون الحلول ويصرّحون في جنازتها
28-08-2017