آمال : أبشع من الرمادي

نشر في 29-08-2017
آخر تحديث 29-08-2017 | 00:25
 محمد الوشيحي بعد عودتي من رحلتي القصيرة إلى قرى الشمال التركي، انتابتني موجة ضحك هستيرية بلهاء، عندما قارنت بين نوافذ الأكواخ في القرى تلك، ونوافذ بيوتنا في المدن الخليجية، والمناظر التي تقع عيناك عليها في القرى، وتلك التي تقع عيناك عليها في مدن الخليج.

وإذا كانت باريس، مدينة الموضة والجمال، توصف بأنها "المدينة الرمادية"، بحسب الكتب والكتّاب، فبالله عليكم ماذا نسمي مدننا الخليجية؟ وأي لون نعطيها؟ واللون الرمادي هو لون السجون، لون الكآبة، لون القلق والهموم النفسية المتكدسة على الصدر! ويقول هؤلاء الكتّاب القساة إنه لون باريس. والحمد لله أن الألوان لم تلد، بعد، لوناً أبشع من الرمادي.

والسؤال المحير: أين ينتشر اللون الرمادي في باريس بالضبط؟ في المباني؟ أم هو لون الأرض؟ باريس التي شاهدتها، على مهلٍ من أمري، أرضها خضراء، ما عدا الأسفلت، ومبانيها ملونة متينة تشي بالقوة والثبات، لا الحزن والهموم، فمن أين جاءت تلك التسمية الظالمة؟

ما علينا. لنعد إلى البيوت والنوافذ في المدن الخليجية... بالله عليكم، أو بالله علينا، لمَ نحرص على الإكثار من النوافذ، والتفنن في تصميمها؟ ما الذي سوف نشاهده إن مددنا النظر من خلال نوافذ بيوتنا؟ سنشاهد أزقة ملونة، وشرفات مكتظة بالورود، ومباني عتيقة تحدثنا عن التاريخ والمعارك التي جرت حولها، ونهراً يتبدى من هناك، وشلالاً صغيراً خلف بيت "بو جراح"؟ لا يا عزيزي، لن نشاهد إلا عبدالمانع وهو يعدّل عقاله، قبل أن يدير محرك سيارته متجهاً إلى مقر عمله، وأم يوسف وهي تصطحب أبناءها إلى مدارسهم، ومجموعة من العمال الآسيويين يتبادلون الحديث والهموم.

فيا سيدات ويا سادة، نحن نعيش في مدن مكسوة بلون أبشع من الرمادي، لم يجد له الرسامون اسماً حتى اللحظة، فعلامَ كل هذا الحرص على الشبابيك الجرداء؟ لمَ لا نملؤها بالورود لعلها تخفف كآبة المنظر؟

back to top