نحن جميعا من أوروبا

نشر في 29-08-2017
آخر تحديث 29-08-2017 | 00:07
الانتصار الحاسم في المعركة ضد الإرهاب لا يمكن تحقيقه إلا إذا كانت هذه المعركة مصدرا للوحدة في أوروبا؛ مما يؤدي إلى تعزيز علاقاتنا العميقة الجذور وأهدافنا الديمقراطية المشتركة.
 بروجيكت سنديكيت لقد هتف الحشد الذي نزل إلى شوارع برشلونة "لست خائفا" بعدما صدمت شاحنة المشاة في جادة لاس رامبلاس الشهيرة في وسط برشلونة، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 14 شخصا وإصابة نحو130 آخرين في هذا الهجوم. إن مثل هذا الرد يمكن أن يكون الأكثر كرامة وملاءمة لمثل هذا الهجوم الإرهابي، وهو دليل ثابت على وحدتهم التي تجاوزت الانقسامات الداخلية، وعلى سبيل المثال فإن الاختلاف بين الإسبان والكتالونيين سيتجدد بالتأكيد قريبا لكن هذا الشعور الأساسي بالوحدة يجب أن يستمر.

عقب الهجمات في باريس وبروكسل ولندن ونيس وبرلين– ناهيك عن مدريد في عام 2004- ينبغي ألا نُفاجأ باختيار برشلونة كهدف، لأنها ليست المدينة الأوروبية التي اجتذبت أكبر عدد من المهاجرين من المغرب العربي، وخصوصا المغرب فقط؛ بل هي أيضا رمز للحوار بين الثقافات والتسامح.

في الواقع، لاس رامبلاس- واحدة من المناطق السياحية الأكثر شعبية في المدينة- هي في حد ذاتها تعد رمزا للانفتاح، حيث ضمت قائمة الضحايا أكثر من 30 جنسية مختلفة، واعترف أحد المشتبه فيهم فيما بعد بأن خليته الإرهابية كانت تخطط أيضا لاستخدام متفجرات ضد المعالم الرئيسة، بما في ذلك كنيسة ساغرادا فاميليا في برشلونة والمشهورة على المستوى العالمي، وهذا دليل واضح على أنهم كانوا يحاولون ضرب روح المدينة.

إن هذه الهجمات الرمزية لها أهمية خاصة اليوم، وفي حين يواجه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي هو مصدر الإلهام الرئيس للإرهاب عبر الحدود الوطنية في الوقت الحاضر هزيمة شبه كاملة على الأرض، فإنه يسعى إلى استخدام الأسلحة التي لا يزال يمتلكها، أي قدرته على إلهام الإرهابيين المحتملين الشباب في جميع أنحاء العالم.

إن خلايا "داعش" الدولية النائمة في العالم لا تضم بالضرورة خريجي معسكرات تدريب "داعش" في دول مثل العراق وسورية كما كانت عليه الحال عادة مع هجمات القاعدة في الماضي، بل عادة ما تضم تلك الخلايا مهاجرين من الجيل الثاني أو الجيل الثالث من البلدان الإسلامية الذين يشعرون بأنهم منفصلون عن وطنهم وعن وطن أجدادهم، وهم يتلهفون لأن يشعروا بالهدف والهوية، وهي السلع العاطفية التي يمكن أن يقدمها الإسلام الراديكالي وأيديولوجيا "داعش" بشكل خاص.

يعتقد في حالة هجوم برشلونة أن الإمام المغربي عبدالباقي الساتي، الذي توفي في انفجار في مصنع صنع القنابل التابع للخلية الإرهابية كان مسؤولا عن تطرف المهاجمين الشباب، ولكن هذه القناة الواضحة ليست دائما ضرورية، حيث كان لدى مرتكب تفجير "مانشستر أرينا" في مايو عدد من الأشخاص المرتبطين به الذين كانوا على علم بخططه، ولكنه لم يكن جزءا من شبكة إرهابية.

وعلى الرغم من أن الخلافة على الطريقة الداعشية على وشك الانهيار فإنه من الممكن أن تزيد الهجمات الإرهابية في الخارج، وهذا قد يشجع المزيد من المسلمين في أوروبا على التنديد بصوت عال بمثل هذه الأعمال، كما فعلت حركة "ليس باسمنا"، كما سيدفع الحكومات إلى اتخاذ تدابير أكثر تقليدية.

لقد أعلنت فرنسا، على سبيل المثال، خططاً لإعادة إنشاء ما يسمى "شرطة الجوار" المسؤولة عن المراقبة على مستوى المجتمع المحلي، ويمكن أن تكون مثل هذه الشرطة المجتمعية أداة للمعلومات والردع، وبالتالي يمكن أن تكون عنصرا فعالا في استراتيجية أوسع نطاقا تضم تدابير تتراوح بين تعزيز شرطة الحدود وأجهزة الاستخبارات إلى التدخل العسكري في الشرق الأوسط أو إفريقيا.

لكن أيا من ذلك لن يكفي لمعالجة أزمة الهوية لدى المهاجرين من الجيلين الثاني والثالث الذين ثبت أنهم معرضون لأيديولوجية "داعش"، وأكثر الطرق فعالية لمعالجة هذه المشكلة هي تعزيز الاندماج من خلال سياسات ملموسة تدعم التعليم والاستيعاب الاجتماعي فضلا عن حوار أكثر انفتاحا بين مختلف الفئات.

تكمن المشكلة بالطبع في أن مثل هذه الاستراتيجية تستغرق وقتا حتى تحقق النتائج المرجوة، والوقت شيء تفتقر إليه الديمقراطيات الغربية عندما يتعلق الأمر بالإرهاب، وإلى جانب الخطر المباشر المتمثل بوقوع مزيد من الإصابات هناك الخوف المتزايد بين السكان، وهو ما يحاول السياسيون الشعبويون استغلاله بشكل كبير.

لقد قاومت الديمقراطيات الغربية حتى الآن وإلى حد كبير الطرح المتعلق بالخوف من الأجانب وظلت مخلصة عموما للقيم الليبرالية، وإذا كان "داعش" يريد زرع بذور الانقسام والفوضى في الغرب- وخصوصا أوروبا التي يعتبرها "داعش" الحلقة الأضعف– فإن خطتهم فشلت حتى الآن.

لكن نهاية الحرب ضد الإرهاب الإسلامي لا تزال بعيدة المنال، وعلينا أن نبقى صبورين ومرنين ومتحدين داخل مجتمعاتنا وبلداننا وكأوروبيين كذلك، ويؤكد الهجوم الأخير في فنلندا باستخدام سكين، والذي قام به مراهق مغربي على حقيقة مفادها أن بلداً ما لا يحتاج إلى القيام بدور رئيس في التحالف ضد "داعش" في سورية والعراق ليصبح هدفا، بل يكفي أن يكون أحد المجتمعات الأوروبية المفتوحة.

وبالنظر إلى ذلك لا يكفي أن نقول: "نحن جميعا من برشلونة"، بل يجب علينا بدلا من ذلك أن نقول: "نحن جميعا أوروبيون"، وهذا ليس مجرد بيان رمزي بل هو بيان وصفي ينبغي أن يكون أساس ردنا على التهديد الإرهابي، وبما أن العمل على المستوى الوطني مثل تعاون إسبانيا في مكافحة الإرهاب مع المغرب ضروري فإنه لا يمكن أن ينجح إلا في سياق العمل الأوروبي الأوسع نطاقا، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية وسياسة الهجرة والتعاون بين قوات الشرطة والأمن.

واليوم، بما أن دور الولايات المتحدة كنموذج للاستقرار والشرعية قد أصابه الضعف، فيجب على أوروبا أن تفعل المزيد لتحل مكانها، ويمكن للإرهاب الإسلامي أن يقوض أو يعزز هذا الجهد، لأن الانتصار الحاسم في المعركة ضد الإرهاب الإسلامي لا يمكن تحقيقه إلا إذا كانت هذه المعركة مصدرا للوحدة في أوروبا؛ مما يؤدي إلى تعزيز علاقاتنا العميقة الجذور وأهدافنا الديمقراطية المشتركة.

* دومينيك مويزي

* مستشار أول في معهد مونتين في باريس ومؤلف كتاب «الجغرافيا السياسية أو انتصار الخوف».

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

على الرغم أن الخلافة على الطريقة الداعشية على وشك الانهيار فإن الهجمات الإرهابية في الخارج من الممكن أن تزيد
back to top