بينما تثقلها الأعداد الكبيرة للنازحين، وهجمات تنظيم «داعش» على أطرافها، تستعد كركوك العراقية، الغنية بالنفط والمتنوعة سكانياً، لحزمة أزمات سياسية، مع اقتراب موعد مفترض للاستفتاء على مستقبل أكراد العراق، نهاية سبتمبر المقبل.

ويتكون إقليم كردستان من 3 محافظات عراقية، أربيل والسليمانية ودهوك، لكن كركوك وأجزاء من ديالى ونينوى، تقطنها قوميات مختلفة بينها الأكراد، بقيت مناطق متنازعاً على إدارتها، وتخضع لإجراءات تطبيع وحوار، تحت إشراف الأمم المتحدة، منذ 14 عاماً.

Ad

وتقول تسريبات إن المحافظ نجم الدين كريم، وهو قيادي في حزب الرئيس السابق جلال طالباني، يريد التصويت داخل البرلمان المحلي على مشاركة كركوك في الاستفتاء على حق تقرير المصير، لكي يقطع الجدل بشأن مشاركة المدينة من عدمها في أول عملية من نوعها تجرى رسمياً، وسط رفض إقليمي ودولي واسعين.

لكن المصادر تذكر أن المحافظ لم يضمن حتى الآن الأغلبية المطلوبة في البرلمان، المعروف بمجلس المحافظة، التي توصف بأنها «قدس كردستان»، ورغم أن الأعضاء الكرد هم أغلبية بسيطة فيه مقابل التركمان والعرب والمسيحيين، فإن الانقسام الكردي الحاد قد يفوت على الكتلة الكردية تمرير رغبة أحزابها.

وتصنف كركوك على أنها من «حصة» حزب طالباني، لكن حزب بارزاني يسيطر على أكبر حقول نفطها من الناحية العملية، ما يثير خلافات جادة داخل البيت الكردي.

ولم يجرؤ حزب كردي على رفض الاستفتاء، الذي أعلنه رئيس الإقليم مسعود بارزاني، لكنها أعربت عن مخاوفها من أن تتحول العملية إلى مكسب سياسي للرئيس، لاسيما أن انتخابات برلمان كردستان ستجرى بعد الاستفتاء بنحو 10 أيام، ولذلك فإن المعارضة الكردية بدأت تنتقد توقيت إجراء الاستفتاء. ولا يقتصر قلق الأكراد داخل كركوك على جلسة التصويت المفترضة اليوم، بل هناك قلق من تصويت أكراد المدينة على رفض الانفصال عن العراق، لأن موظفيها حريصون على تسلم مرتبات شهرية كاملة من الحكومة المركزية، بينما الموظفون الحكوميون في إقليم كردستان لا يحصلون إلا على ثلث مرتباتهم، بسبب قطع الموازنة الاتحادية عن أربيل، إثر خلافات بترولية حادة.

ويقول بارزاني إن من المستحيل تأجيل الاستفتاء الذي يمهد لإعلان دولة كردستان لاحقاً، وهو حلم تاريخي للأكراد، لكن الأطراف الكردية الأخرى تلوح بإمكانية تأجيله لو حصل الإقليم على «ضمانات بديلة»، دون أن يكون واضحاً المقصود بهذه العبارة، التي استخدمها بارزاني مرة واحدة على الأقل حتى وهو يتمسك بموعد الاستفتاء.

وذكر قيادي كبير في حزب طالباني، لوكالة رويترز الأسبوع الماضي، أن الضمانات هي أموال لسد عجز مالي حاد في كردستان، لكن بغداد لا تملك المال، كما أن أميركا كحليف يرغب في تأجيل الاستفتاء لا يبدو أنها في وارد التكفل بنحو 10 مليارات دولار قيمة العجز السنوي الذي أصاب اقتصاد الإقليم بالشلل، بعد أن كان أكثر مناطق العراق استقراراً وازدهاراً واستقطاباً للاستثمار الأجنبي.

وبعد عقود من الحرب بات الكثير من العراقيين يتقبلون ظهور دولة كردية جارة لهم، إلا أن الأمر يتعلق بترسيم الحدود بين أربيل وبغداد، الذي يعد أحد الملفات المعقدة في تجارب الاستقلال.

ولا يقتصر الأمر على نزاع الأرض في كركوك، بل يمتد إلى نينوى التي تحررت لتوها من «داعش» بعد معارك مكلفة، والنزاع على نحو ثلث نينوى وكركوك، يقود الأكراد إلى مواجهة مع تركيا المعنية بالمحافظتين لأسباب جغرافية وسكانية، وليست مجرد مواجهة مع بغداد.

ويشدد أنصار بارزاني على أن خطوة الاستفتاء تأتي بعد أن يئست أربيل من إمكانية «إصلاح البيت العراقي»، وهي تشعر يوماً بعد آخر بضرورة مغادرة المشكلة العراقية وتنظيم وضعها إقليمياً ودولياً بمعزل عن بغداد، دون أن ينفي الأكراد رغبتهم في تمتين العلاقات الاقتصادية مع العراق، وحاجتهم إلى أن يكونوا صلة الوصل بين بغداد وأوروبا، كما يطمحون إلى مد أنبوب نفط نحو البصرة، وحجم الاستثمار المالي الكردي بالعراق، وكل هذا من شأنه التقليل من احتمالات اندلاع حرب، فضلاً عن وجود القوات الأميركية التي تلعب دور «مخفف الأزمات» أو «حافظ السلام».