الحرب الباردة في Comrade Detective

نشر في 30-08-2017
آخر تحديث 30-08-2017 | 00:04
أدّى توسّع التلفزيون الهائل والأموال الطائلة التي تُخصص له إلى ولادة بيئة مليئة بالفرص. ولا ترتبط ميزة هذا الوسيط الأبرز اليوم بعظمته التاريخية، التي نسمع عنها الكثير، إنما بقدرته على تقديم كل ما هو غريب.
تشمل أبرز الأمثلة Comrade Detective، وهو مسلسل من ست حلقات بدأ عرضه أخيراً على Amazon Prime.
يشكّل Comrade Detective مشروعاً ما كان ليبصر النور في عالم التلفزيون على الأرجح لولا محطاته الكثيرة المتعطشة إلى الإنتاج والمستعدة لإنفاق المال.

ابتكر بريان غايتوود وأليساندرو تاناكا (منتجَا Animal Practice الذي لم يدم طويلاً) هذا المسلسل، الذي يعتمد على قوة نجومية تشانينغ تاتوم. يقدّم الأخير هذه السلسلة ويعطيها صوته، ويُفترض أن تكون قصة بوليسية رومانية حقيقية من بقايا الحرب الباردة، «ملاحظة مثيرة للاهتمام بين فضلات التاريخ الشيوعي» أُنقذت ورُممت بعد «رحلة في أربع قارات دامت عقدين وشملت مئات الخيوط التي لم تفضِ إلى نتيجة، فضلاً عن تعاون خمس حكومات دولية».

رواية مختلفة

لكنها ليست كذلك بالتأكيد. على غرار The Art of the Deal: The Movie، الذي يُفترض أنه عمل لم يُبث مستوحى من كتاب دونالد ترامب ويمثل فيه ترامب شخصياً (جوني ديب، مع أن من الصعب التعرف إليه)، ما Comrade Detective سوى رواية مختلقة.

صُوِّر هذا العمل في رومانيا مع ممثلين رومانيين، ثم تولّى دبلجته إلى الإنكليزية فريق من الممثلين ضمّ أيضاً جيني سلايت، وجوزف غوردون-ليفيت، ونيك أوفرمان، وكلوي سيفيني، وجايك جونسون، ودانيال كريغ. إنه مخطط لسلسلة صغيرة وتلة منخفضة حُوّلت إلى جبل. من الممكن التعبير عن أفكاره الأساسية (أكثر من مرة) في غضون بضع دقائق. رغم ذلك، لحجمه أهمية. فإذا كنت تود تزوير لوحة «موناليزا»، لا تجعلها بالتأكيد بحجم كتاب للقصص المصوّرة. وهكذا يُبرز الطموح مدى جنون هذا المسعى ويضخّمه.

تفاصيل غريبة

العناصر كافة في موضعها. نرى الشريك الجديد يوسف باسيو (كورنيليو يوليسي وصوت غوردون ليفيت)، وهو رب أسرة من الريف يُعيّن لمرافقة الشرطي المنحل، الذي زادته المدينة قسوة، غريغور آنغل (فلورين بيرسيك الابن وصوت تاتوم). إلى جانبهما نشاهد مجموعة غريبة من الشخصيات في مركز الشرطة: المتعجرف الساخر، والمضحك الأخرق، والشرطي الخارق (صوت أوفرمان) التواق إلى إقفال القضية. باستثناء تلك الصورة الغريبة والسخيفة، التي يظهر فيها موظفو السفارة الأميركية السمان وهم يلتهمون الهامبرغر والمشروبات الغازية والمحققان الرومانيان وهما متنكران بزي رعاة بقر، ما من أمر يميّز Comrade Detective بصرياً عن أي فيلم بوليسي واضح يدور في حقبة تاريخية معينة، وإن كان يحتوي على بعض التفاصيل الغريبة.

لكن هذا العمل يخفق في عملية المحاكاة، فنسبة امتداد الشاشة العريضة خاطئة، وأتساءل عما إذا كان التلفزيون الروماني نحو أواخر ثمانينيات القرن الماضي جريئاً إلى هذا الحد. كذلك تخالف دعابات كثيرة العناصر الفنية في العمل، من بينها ترخيص ما يُترجم على ما يبدو إلى «وزارة التسلية المقبولة». لكن هذا مسلسل فكاهي أولاً وأخيراً وليس مشروعاً فنياً، ويبقى الضحك الأهم، مع أن بعض أوجه الفكاهة فيه يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببيئته، مثل ظهور الناقدة السينمائية والمترجمة الرومانية إيرينا مارغريتا نيستور، التي تشتهر بدبلجتها سراً أفلاماً غربية إلى الرومانية خلال الحقبة الشيوعية.

دعابات

يحتوي هذا العمل على دعابات (مع أنها ليست دعابات في مسلسل ابتُكر، حسبما يُفترض، ليكون دعاية اشتراكية) عن السرقة التي تُعتبر «محاولةً فاشلة أقدم عليها الجار ليعيد توزيع ثروة نيكيتا». وفي سعيه إلى الدفاع عن مطاردته النساء، يقتبس غريغور أقوال ماركس: «لكل واحد وفق قدرته ولكل واحد وفق حاجاته». علاوة على ذلك، يبدو هذان المحققان نقيين عقائدياً. عندما يعثران على لعبة «مونوبولي»، يبحثان عن مفكرين مسجونين ليطلعونهما على ماهيتها.

يعيشان في وهم رسمي تشكّل فيه لعبة الشطرنج رياضة يشاهدها الناس في الحانات، ويرقص فيه الأولاد الباليه في الشارع، ولا تُعتبر الجريمة جزءاً من «الشخصية الوطنية» بل عمل «مخربين»، وتعذب الشرطة المشتبه بهم لأن هذه «وسيلة فاعلة». كذلك يؤكد العمل مراراً تفوق كل ما هو روماني. على سبيل المثال، تقول السفيرة الأميركية (سلايت) بحماسة خلال موعد، إذا جاز التعبير، مع غريغور: «حساء الفاصوليا هذا مع اللحم ممتاز». ثم تقر بأن «نسبة المتعلمين في رومانيا مذهلة» وأن «كل مَن فيها وسيم ويتمتع بروح الشباب».

الأميركيون

في نظر هذين المحققين، الأميركيون «أناس زوّروا نزولهم على القمر، وهم نفسهم مَن غشوا في الألعاب الأولمبية السنة تلو الأخرى». ويعني التصرف كأميركي «أن الإنسان مخادع وينتهك القوانين». أما الولايات المتحدة، فهي بلاد الإيدز ومحطة MTV، ورئيسها الذي تعمد معدو العمل بوضوح تصويره كنسخة عن الرئيس الحالي «ممثل وشخصية مشهورة يرونها على شاشة التلفزيون». كذلك يشيران إلى ترامب نفسه بطريقة مبطنة بصفته الرجل الذي يضع اسمه بأحرف ذهبية كبيرة على الأبنية. ومع أن Comrade Detective يسخر من الجانب الآخر من الستار الحديد، لا تنجح الرأسمالية في التفلت من قبضته.

شخصيات معقدة

تجعل طبقات هذه الرواية الشخصيات أكثر تعقيداً من المقصود، حيث صيغت لتجسد وجهة نظر سياسية تُنتقد بشدة، إلا أنها تبقى خيالية بالتأكيد. ولكن لما كان أناس يؤدونها، فتتخذ طابعاً إنسانياً لا محالة. وفي مرحلة ما، تنهار السخرية وتهتم أنت لما يحدث لهم كأناس، أناس لا يعلمون أن التاريخ سيتخطاهم. تريدهم على نحو غريب أن يروا أنفسهم وأن يستيقظوا لأنهم لا يملكون ما يخسرونه سوى قيودهم.

العمل صُوِّر في رومانيا مع ممثلين رومانيين
back to top