لا تكاد تمضي 24 ساعة، وأحيانا كثيرة بضع ساعات، على أي تغريدة أو تصريح يدلي به الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حتى يتحول سريعا إلى مشكلة سياسية تجهد أروقة البيت الأبيض لتطويق تداعياتها، سواء كانت على المستوى الداخلي أو الخارجي.

فمتاعب الرئيس لا تنتهي، ومواجهاته مع الإعلام ومع السياسيين سرعان ما تتحول إلى مادة حوارية مفتوحة، تنقل معها "أزمة" الرئاسة من حلقة إلى أخرى، فيما الجميع عاجزون عن رؤية قعر لتلك الأزمة وما قد تؤول إليه تلك المماحكات التي صنفها العديد من المراقبين في واشنطن بغير المسبوقة.

Ad

لكن الأزمة التي أثارتها تصريحات ترامب في أعقاب الأحداث العنصرية التي شهدتها مدينة شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا بداية الشهر الحالي، قد تكون القشة التي ستكسر ظهر البعير.

وردود الفعل من قبل كبار مساعدي الرئيس وأعضاء إدارته، وخصوصا "قلبها" الرئيسي، المتمثل بوزير الخارجية ريكس تيلرسون، والدفاع جيم ماتيس وكبير مستشاريه الاقتصاديين غاري كوهن، أثارت العديد من التكهنات بالنسبة إلى تماسك ما تبقى من تلك الإدارة التي خرج من تشكيلتها الأولى غالبية اعضائها بعد أقل من ثمانية أشهر.

خروج سيباستيان غوركا مساعد الرئيس لشؤون مكافحة الإرهاب الذي توقعه الجميع في أعقاب خروج رئيسه أو على الأقل ملهمه ستيف بانون، كبير استراتيجيي البيت الأبيض، قد لا يكون الأخير. لكن الخروج المتوقع لآخرين قد يكون صادما فيما لو صدقت التحليلات والتوقعات، التي تتحدث هذه المرة عن خروج من جهة اليسار، ليس بالمعنى الأيديولوجي، بل لناحية موقع أولئك الاشخاص الذين مثّل وجودهم في إدارة الرئيس "ضمانة" تسمح بالاطمئنان إلى أن الولايات المتحدة لاتزال تحافظ على موقعها كدولة عظمى في بحر الأزمات الدولية المتلاطمة من كل حدب وصوب.

الوزير تيلرسون كان واضحا ومباشرا في النأي بنفسه عن تصريحات ترامب ومواقفه من أحداث شارلوتسفيل. فوزارته التي تصدر تقريرا سنويا عن أوضاع الحريات وحقوق الانسان وقضايا الديمقراطية، وجدت نفسها مضطرة للدفاع عن القيم الأميركية، في مواجهة الانتقادات التي تعرضت لها واشنطن؛ سواء من الأمم المتحدة او من كبار حلفائها الغربيين، على رأسهم المانيا وفرنسا وبروكسل.

ورغم تعرض تيلرسون لانتقادات من معسكر الرئيس وحلفائه الذين طالبوه "بعدم نشر الغسيل الوسخ" علنا، فإنه أصر على الدفاع عما أدلى به، نافيا في الوقت نفسه أنه يسعى إلى مغادرة منصبه في نهاية هذا الشهر، بحسب بعض التكهنات.

لكن هناك من يجادل بأن الأمر لم ينته بعد، خصوصا وأن مروحة خلافاته مع الرئيس لاتزال تتوسع في أكثر من ملف. من أفغانستان إلى كوريا الشمالية إلى الأزمة الخليجية، وصولا إلى تقاذف المسؤوليات عن الأسباب التي تحول حتى اللحظة دون تمكن تيلرسون من تعبئة المراكز الوظيفية الرئيسية الشاغرة في وزارته بعد نحو 8 اشهر على توليه منصبه.

تصريحات وزير الدفاع جيم ماتيس التي التقطت على شريط فيديو خلال زيارته لإحدى القواعد العسكرية في الأردن والتي دعا فيها "الجنود الأميركيين إلى الارتفاع عن الانقسامات التي تعيشها البلاد بانتظار انقشاع الغيمة التي تمر بها لتعود وتتوحد خلف القيم التي تجمعها"، اعتبرت هي الأخرى نقدا صريحا ومباشرا لرئاسة ترامب وللإشكاليات التي تثيرها تصريحاته في المجتمع الأميركي.

هكذا صنفت أيضا مواقف غاري كوهن كبير مستشاري الرئيس الاقتصاديين، والذي يمثل وجوده ضمانة لاستقرار عالم المال. فقد طالب إدارة الرئيس بفعل المزيد من أجل رفض خطاب الكراهية وتطويقه، بعد هتافات النازيين الجدد الذين كالوا الشتائم لليهود في تظاهرة شارلوتسفيل، وهي ديانة كوهن.

تصريحات المسؤولين الثلاثة اعتبرتها أوساط سياسية عدة بالأزمة العميقة، لأنها لا تشبه الاعتراضات الطبيعية التي قد تصدر من أعضاء في الكونغرس، حتى ولو كانوا من حزب الرئيس الجمهوري نفسه. فاعتراضات هؤلاء مألوفة وطبيعية وبعضهم قد يكن العداء السياسي للرئيس لأسباب عدة. لكن صدورها من أعضاء الإدارة نفسها، يطرح سؤالاً كبيراً عن كيفية تمكنه من الإدارة، او على الأقل في إعادة تشكيل إدارة جديدة يمكن ان يكتب لها النجاح، ليس في تولي الحكم، بل وفي نيل ثقة مجلس الشيوخ على الاقل للموافقة على التعيينات لملء تلك المناصب.

وفي انتظار عودة مجلس الشيوخ من عطلته السنوية في الخامس من سبتمبر المقبل، تبدو واشنطن متجهة إلى معارك سياسية كبيرة في ظل معركة شد الحبال والتهويل والتهديد المتبادل بين ترامب والسلطتين التنفيذية والتشريعية، لتمرير مشاريع التأمين الصحي والموازنة والضرائب والبنية التحتية وبناء الجدار مع المكسيك ورفع سقف الدين العام بما يضمن عدم "إغلاق الحكومة" في نهاية سبتمبر.

قتيلان بإطلاق نار

قتل شخصان وأصيب أربعة من جراء إطلاق نار في مكتبة عامة بولاية نيو مكسيكو بغربي الولايات المتحدة.

وصرح قائد الشرطة دوغلاس فور أمس بأن السلطات تنقصها معلومات عن دوافع المشتبه فيه ولن تدلي بأي معلومات إلى حين اكتمالها.

وقال شاهد عيان إن رجلا دخل المكتبة وأطلق النار في الهواء بمدينة كلوفيس، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 40 ألف نسمة، وتقع بالقرب من حدود ولاية تكساس.