وسط أجواء إيمانية وروحانية، استهل أكثر من مليوني حاج لبيت الله الحرام أول أيام الركن الخامس من الإسلام بقضاء "يوم التروية" في مشعر منى بمكة المكرمة، أمس، قبل أن يتدفقوا فجر اليوم على جبل عرفة للوقوف على صعيده تأدية لأعظم أركان الحج عشية عيد الأضحى.وعشية بدء الشعائر، اكتظت باحة المسجد الحرام والأروقة والممرات المجاورة لها بالحجاج وبرائحة المسك والعباءات البيضاء والملونة.
وتعالت أصوات الحجاج بالتلبية والدعاء في ساحات الحرم المكي منذ فجر أمس، قبل توجه ضيوف الرحمن إلى مشعر منى، تحت أشعة الشمس القائظة.ونقلت حافلات الحجاج الذين احتشدوا على اختلاف أعمارهم وأعراقهم مع أمتعتهم قرب الحرم المكي بعد الطواف بالكعبة المشرفة إلى وادي منى الذي يقع على بعد خمسة كيلومترات إلى شرق مكة المكرمة للمبيت به قبل المغادرة مع بزوغ شمس "يوم عرفة".
استنفار سعودي
في غضون ذلك، أكدت السلطات السعودية أنها سخرت "كل طاقتها الأمنية والخدماتية"، بما في ذلك مئة ألف عنصر أمن، في سبيل انجاح موسم الحج والاستعداد لأي طارئ.وأعلنت وزارة الصحة، أمس، تجهيز 4 مستشفيات تبلغ سعتها السريرية 600 سرير و46 مركزاً صحياً لخدمة الحجاج في مشعر عرفات.وأوضحت الصحة، في بيان، أن مستشفى جبل الرحمة، يشهد كثافة كبيرة من الحجاج لقربه من منطقة متوقعة لحدوث إصابات بين الحجاج تتطلب خدمات علاجية فورية من خلال عياداته الخارجية التي تعمل على مدار الساعة.وجاء استنفار وزارة الصحة بعد عامين من حادث تدافع أودى بحياة أكثر من 2300 شخص في منى.تدابير وقائية
وفي وقت سابق، شددت وزارة الداخلية على أنها لم ترصد أي مؤامرات محددة تهدد أمن الحجاج. وقال المتحدث باسم الوزارة، اللواء منصور التركي، إن أجهزة الأمن ضبطت عددا من الخلايا المتشددة في مكة والمدينة خلال الأعوام القليلة الماضية. وتابع قائلا: "لذلك لا نغفل عن الاحتمالات القائمة، ونتخذ كل التدابير الوقائية اللازمة للحيلولة دون تمكن أي عنصر من الوصول إلى المدينتين المقدستين، أو القيام بأي جرائم يمكن أن تهدد أمن أو سلامة الحجاج".وأشار اللواء التركي إلى اتخاذ إجراءات أمنية صارمة عند مداخل "مكة والمدينة والمشاعر المقدسة وفي المطارات والموانئ والمنافذ البحرية".وحث المسؤول السعودي الحجاج على "التقيد بنظام التفويج" خلال أداء المناسك، حتى تنجح قوات الأمن في مهمتها، وقال إنه يجب عليهم الالتزام بالطرق المحددة لكل فوج أثناء رمي الجمرات في منى.ولفت إلى أن قوات الأمن اتخذت كل الإجراءات الضرورية للحيلولة دون وقوع حوادث تدافع بين الحجاج.وأشار إلى أن المركز يتلقى في الظروف العادية نحو 40 ألف بلاغ يوميا تتعلق أغلبها بالأمور الخدمية، لكن يصل عددها في فترة الحج إلى نحو 65 ألفا.والمركز مزود بغرفة لإدارة الأزمات وأقسام لمراقبة الحشود والطرق عبر 400 كاميرا مراقبة أمنية موزعة في مكة ومناطق المشاعر.عودة ومنافع
وتشهد مناسك الحج هذا العام عودة الحجاج الإيرانيون الذين غابوا عن شعائر العام الماضي بعدما أدى حادث التدافع في 2015 إلى وفاة 464 إيرانيا، تلاه قطع العلاقات بين الرياض وطهران إثر مهاجمة سفارة السعودية وقنصليتها في الجمهورية الإسلامية، بعد إعدام المملكة رجل الدين الشيعي نمر النمر.كما تجرى المناسك التي تعتبر بين أكبر التجمعات الدينية السنوية في العالم، في خضم أزمة دبلوماسية كبرى تعصف بمنطقة الخليج إثر قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وهو ما ساهم في تقليص أعداد الحاج القطريين.وقبيل بدء موسم الحج، أعلنت السعودية فتح حدودها البرية مؤقتاً أمام الحجاج القطريين، إلا أن أعدادا قليلة فقط من هؤلاء عبروا نحو مكة المكرمة والمدينة المنورة.«رؤية 2030»
من جانب آخر، وإضافة إلى قيمته الدينية، يشكل موسم الحج مصدر إيرادات كبيرا للمملكة. وتتضمن خطة "رؤية 2030" الاقتصادية الهادفة إلى التقليل من الاعتماد على النفط، إجراءات لدعم السياحة الدينية في السعودية. وبحسب السلطات، فإن أعداد الحجاج ارتفعت بشكل كبير هذا العام مقارنة بالسنة الماضية.وللمرة الأولى تشارك سعوديات هذا العام في العمل بغرفة الطوارئ التابعة لوزارة الداخلية لمتابعة سير المناسك وتلقي بلاغات الطوارئ من المواطنين والمقيمين، إضافة إلى الحجاج الزائرين.وافتتح أول قسم نسائي لتلقي اتصالات الطوارئ في مركز العمليات الأمنية الموحدة (911) منذ أسابيع، وتعمل به شابات حاصلات على مؤهلات عليا ويُجدن التحدث باللغة الإنكليزية.