فضيحة الحب!
ما هو الحب؟!يا له من سؤال! هذا هو السؤال الذي يبقى دائماً أجمل وأشهى من إجابته، إنه السؤال الذي نمضي قدماً في ضبابيته دون أن نجد مفاتيح لشمس إجابته.
يسهل أن تدل على الحب في كل شيء، ويصعب أن تختصره في شيء، أقرب من مرمى الأصابع وأبعد من مسيرة نجم لا يُرى، أوضح من لون زهرة وأكثر غموضاً من شذاها، إلا أن إحدى مزاياه العظيمة هي قدرته على التشكل على مقاس مشاعر كل فرد على هذه الكرة الأرضية ومقاس تصوراته، وكأنما الحب لم يخلق لسواه من الكائنات، ففي الوقت الذي يحتوي هذا الحب بعباءته الجميع إلا أن له هذه المعجزة في القدرة على "التقولب" على مقاس كل قلب وحجم إدراكه العقلي والعاطفي، وهذه المعجزة العظيمة تحمل في مضمونها فضيحتين كبيرتين للإنسان، الأولى هي أن معجزة الحب، المتمثلة في "التقولب" ليناسب كل قلب بحد ذاتها، تعكس طواعية في الحب ويسراً فيه وليناً تفضح اتهامنا الحب ظلما وزوراً بالقسوة، وجلاد القلوب الذي لا يئنّ، إن هذه المعجزة تفضح تلك الصورة المريعة له والتي لطالما سوّقها الإنسان كذباً، بل وتبيّن بجلاء أن الحب ليس إلا درويشاً يشحذ الدفء عند أبواب القلوب قابلا بكل شروط الاستضافة، لذا امتلك الحب معجزة التشكل على مقاس كل قلب ليحظى برغيف من الدفء، فإن وجد في ذلك القلب ما يسد به رمقه حرص الحب على البقاء أطول قدر ممكن بما يتميز به من حسن التصرّف والأدب وجمال المعشر كمحصلة لهذا الدرويش الذي خبر أسرار القلوب لكثرة ما استوطن كثيراً منها، وبقي في ضيافة بعضها أكثر، فأصبح بارعاً في قراءة خرائط القلوب، ومعرفة ما تريد، فأحسن التعامل معها لضمان الحصول على رغيف الدفء ذاك، إلا أن بعض القلوب لسوءٍ فيها تستغل حاجة هذا الدرويش بانتهازية مهينة له أقرب للعبودية، فتطلب منه أن يرمي بكيس قاذوراتها إلى الخارج، إننا نرى ذلك الدرويش واقفاً عند باب قلب ما، يرمي الأوساخ والعلب الفارغة وبقايا الطعام، يصيبنا من ذلك ما يصيبنا، ويخطئونا ما يخطئونا، فنصب كل سخطنا وغيظنا على الحب الذي رأيناه بأم أعيننا يفعل ذلك، بينما الحقيقة أن من فعل ذلك هم أصحاب تلك القلوب التي استغلت حاجة الحب لرغيف دفئها ليقوم بممارسة سوئها نيابة عنها، والمثير للاستفزاز والغيظ أكثر أن هؤلاء هم أشدّ اللائمين الشاتمين للحب على أفعاله السيئة، إن معجزة الحب تفضح لعبة هؤلاء الدنيئة!أما الفضيحة الثانية، التي تكشفها معجزة الحب، فهي المتمثلة في قدرته على التشكل كالماء تبعاً لكل قلب يُسكب فيه، هذه المعجزة تفضح بشكل مباشر قلوبنا، وتكشف ذلك المجهول بين حنايانا، تكشف علناً مرآة أرواحنا، وخصوصاً ذلك الجزء الذي نعلمه ويجهله الآخرون، أو ذلك الجزء الذي نجهله معاً (نحن والآخرون)، الحب فضيحتنا الكبرى، إنه لعبة، قل لي كيف تحب، أقل لك من أنت وربما "ما" أنت!ألم يقل أحد الرُّسل: "قل هو الحب، زجاج يفضح الروح"؟!