«سوف تجد دائماً سبباً للكتابة عن الحرب... هذه الدفاتر ليست سعيدة كما كانت عليه السنوات التي سبقت الحرب، لكن مأساويتها محدودة، كما كانت الحرب الأهلية اللبنانية محدودة بجغرافيتها، لم تتجاوز الحدود اللبنانية؛ عكس الحرب السورية، ذات القعر اللانهائي، التي أشعلت شظاياها نيراناً كانت هامدة، قريباً منها وبعيداً عنها»، تقول دلال البزري في تقديمها كتابها «دفاتر الحرب الأهلية اللبنانية».

وزّعت البزري شهاداتها ومذكراتها حول الحرب الأهلية في لبنان على 31 فصلاً بدأتها بعنوان «الرصاصات الأولى 1975» حيث تستعيد أول أيام انقسام العاصمة اللبنانية بيروت بين «شرقية» تحت السلطة اليمينية و»غربية» تحت السلطة الوطنية اليسارية المساندة للمقاومة الفلسطينية. وتخوض الكاتبة في دفاتر الحرب صفحة تلو الأخرى فتتحدث في الفصلين الثاني والثالث «كلية التربية: الجنة الضائعة (1973-1978)» عن أيامها «النضالية» في كلية التربية، في صفوفها، والأهم في الكافيتيريا.

Ad

وفي الفصلين «الاستقرار في مركز الشياح «(1975) و«الحياة الحزبية داخل مركز الشياح» (1975)، تروي قصة احتلال منظمة العمل الشيوعي، ومعها الحزب الشيوعي اللبناني، مدرسة الشياح التكميلية وتحويلها مقراً حزبياً. كذلك توضح تبدّل النظرة إلى القضية الفلسطينية بعد اندلاع الحرب في لبنان، في «مع الحزب الشيوعي تحت سقف واحد (1975)».

مهمات ورفيقات

«مهمات خارجية خاصة (1975)» و«مهمات فلكلورية خطرة (1975)» عنونت الكاتبة الفصلين السابع والثامن حيث تروي قصصاً عن مهمات كانت تقوم بها على الأرض معيشية وأمنية، لتعرض في «مشاهد من الحياة اليومية في المركز الشيوعي» (1975)، كيف تعامل المركز مع العقبات التي تعترضه في يومياته من انقطاع الكهرباء وغير ذلك، فيما تحكي في الفصل العاشر قصة اختطاف الرفيق علي (1975).

في «لا رفيقات في القيادة!» (1975)، وهو الفصل الحادي عشر، تستعرض الكاتبة قصة اللقاء مع الصحافية الفرنسية كارين من «ليبراسيون»، وادعاء الرفاق أن الرفيقتين «دلال» و«زينب» تقودان مجموعات نسوية، وهذا ما كان صحيحاً إلى حد ما، كما تعترف. وفي «رأس السنة» (1975-1976) تصف تحضيرات الاحتفال بآخر أيام عام 1975.

بعنوان «امتيازات الرفاق القادة (1976)» جاء الفصل الثالث عشر، وفيه تورد البزري هذه الهواجس في حوارها مع الرفيقة زينب، فيما تتحدث في «الأيام الأخيرة في مركز الشياح» (1976) عن كيفية خروجها من المركز.

وتتناول في «الهدوء الحذر إلى الملجأ» (1976) دخول القوات السورية العمقَ اللبناني، ومطاولة القصف العشوائي الضاحية الجنوبية، وتقترب من نقطة دعمها الميليشيات اليمينية حول «تل الزعتر»، بينما تجتمع البزري مع عائلتها في «كوريدور» المنزل في منطقة الكولا، بانتظار توقف القصف السوري للمدينة الرياضية، في أول تجاربها الحربية خارج المركز الحزبي.

«قصص أهل الملجأ (1976)» رسمتها البزري في الفصل السادس عشر، وفي فصل بعنوان «المجنونان أبو عمر وجانيت» (1976) روت سيرةٌ لـ»أبي عمر» الذي كان يشتم المسيحيين في الملجأ، بينما كان نصف الملتجئين إليه مسيحيين. وفي الفصلين الثامن عشر «سقوط مخيم تل الزعتر الفلسطيني» (1976) والتاسع عشر «رواية الرفيق «تلاتْعَش» لحصار مخيم تل الزعتر» (1976) تروي قصة حصار المخيم وسقوطه من خلال قصة الرفيق «تلاتْعَش» الذي علق في تل الزعتر، وخرج منه حياً ميتاً مع الناجين من المجزرة إلى مخيم شاتيلا.

اغتيال واختطاف

فيما تروي قصة اغتيال كمال جنبلاط (1977) في الفصل العشرين، تقول في فصل عنونته «أترك منظمة العمل الشيوعي» (1981): «أخرج من المنظمة كأنني أواجه الحياة بمفردي. زوجي يبقى فيها، فتمتد غربتي داخل البيت».

البزري التي شهدت وصول الإسرائيليين إلى بيروت واحتلالها، سطرت ما رأته عيناها في الفصلين الثاني والعشرين والثالث والعشرين، متناولةً ظروف الاجتياح الإسرائيلي للبنان (1982).

تعرّض زوج البزري للاعتقال في وزارة الدفاع اللبنانية بعد مجزرتي صبرا وشاتيلا، بتهمة أنه شيوعي تآمر على اغتيال بشير الجميل، وهي تتناول هذه القضية في الفصلين الرابع والعشرين والخامس والعشرين بعنوان «خطف إسماعيل» (1982).

وفي «ميشيل سورا (1985)»، تتحدث عن علاقتها بأستاذها ميشيل سورا، الباحث الفرنسي في العلوم السياسية، وخطفه ومساعيها إلى إطلاقه، وأخيراً وفاته بعدما قيل إن منظمة الجهاد الإسلامي خطفته. ولا تتردّد في الفصلين الثامن والعشرين والتاسع والعشرين في أن تروي قصة خطف ابنها همام (1987)، لتتطرق في الفصل الثلاثين إلى «الأمومة في الحرب»، وتكتب هواجس الأم التي تعايش هذه المأساة.

حنين إلى الحرب

تختم دلال البزري كتابها بـ«الوقت الملائم للحرب»، حيث تقول: «الحنين إلى الحرب، إلى ما كنتُ عليه من أملٍ وقت الحرب، هو حنينٌ إلى ذلك الشعور الرائع بأنني كنت شابةً، وأنّ الوقت أمامي [...] حتى لو لم يكن الأمر كذلك في الواقع، في أثناء الحرب أو بعد انتهائها. أحلم الآن بالبلاد التي لا وقت فيها. ربّما كانت الجنة كذلك».