الواقع في كوريا الشمالية يعتمد على كيفية النظر إليه
هل يعتقد كيم أن الولايات المتحدة تخدعه أم يظن أنها ستهاجم كوريا الشمالية لتمنعها من التقدم في برنامجها للأسلحة النووية؟ إذا ظن كيم أن الولايات المتحدة لن تتدخل أو إذا ظن أنه قادر على تخطي هجوم أميركي، فلن يوقف إذاً برنامج الأسلحة النووية.
شاهدنا في نهاية الأسبوع مسرحية الأزمة النووية الكورية الشمالية المعتادة، أليس كذلك؟ يوم السبت، أجرت الحكومة في بيونغ يانغ اختباراً صاروخياً، مطلقةً ثلاثة صواريخ بالستية قصيرة المدى لتواجه مجموعة التداعيات ذاتها. في اليوم السابق، كان كيم يونغ أون شخصياً قد فاجأ تدريباً عسكرياً حاكت خلاله القوات الخاصة الكورية الشمالية احتلال جزيرتين تابعتين لكوريا الجنوبية، كذلك نفّذت تجارب نحو منتصف تدريبات "حارس الحرية"، التي حاكت خلالها قوات الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية غزو كوريا الشمالية ما تبقى من شبه الجزيرة. لا شك أن الاختبارات الصاروخية مستفزة عندما نتأملها من ناحية ما، ولم تجرِ بيونغ يانغ اختبارات مماثلة منذ أن هددها ترامب بـ"النار والغضب" لأنها تعهدت باستهداف غوام، وألمح ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون أخيراً إلى تحقيق تقدّم على الصعيد الدبلوماسي، مشيرَين إلى غياب التجارب الصاروخية كدليل على هذا التقدم. ثم جاء اختبار صاروخي جديد ليبعث برسالة قوية: لم تنحنِ بيونغ يانغ وما زالت عصية كما في السابق. ربما!تشكّل هذه إحدى اللحظات النادرة في العالم الجيو-سياسي التي تُعتبر فيها كيفية النظر إلى المسائل مهمة بقدر الواقع بحد ذاته، تُظهر العلامات الأولى من واشنطن أن المسؤولين يرون في تطورات نهاية الأسبوع إشارات إلى التهدئة، بدت الإدارة هادئة نسبياً، فلم يدلِ ترامب نفسه بالتعليقات النارية التي عهدناها منه. صحيح أن المسؤولين الأميركيين يناقشون هذه المسألة وراء الأبواب الموصدة أكثر من تطرقهم إليها علناً، ولكن من اللافت للنظر أن رد فعلهم الأول كان ضبط النفس لا التصعيد.علاوة على ذلك، يمثّل ما اختُبر دليلاً إضافياً على أن قراءة واشنطن صحيحة. كانت الصواريخ التي اختُبرت من قبل عابرة للقارات، لذلك كان الهدف منها التأكيد أن كوريا الشمالية قادرة على ضرب الولايات المتحدة نفسها لا غوام فحسب.
لا ننسى بالتأكيد واقع أن كوريا الشمالية ما زالت تملك برنامج أسلحة نووية لن تتخلى عنه بسهولة، ولكن إن كانت كوريا الشمالية تواجه رادعاً حقيقياً يمنعها من المهاجمة (كما نعتقد أنها تملك رادعاً يحول دون إطلاقها مدفعيتها الموجهة بإحكام نحو منطقة سيول الكبرى)، لا يعكس إذاً سلوكها في الأشهر الأخيرة حاجتها إلى الاستمرار فحسب، بل أيضاً المسار الذي قد تسلكه إذا استمرت. خطتها: تحقيق القوة الكافية لتوحيد شبه الجزيرة الكورية تحت حكم بيونغ يانغ أو على الأقل ممارسة ضغط كافٍ على الولايات المتحدة يدفعها إلى سحب قواتها. فضلاً عن ذلك أعربت واشنطن بوضوح عن ميلها إلى تفادي الحرب في شبه الجزيرة الكورية، لذلك تستنفد كل الخيارات الدبلوماسية قبل أن تقدِم على خطوة مماثلة. هل يعتقد كيم أن الولايات المتحدة تخدعه أم يظن أنها ستهاجم كوريا الشمالية لتمنعها من التقدم في برنامجها للأسلحة النووية؟ إذا ظن كيم أن الولايات المتحدة لن تتدخل أو إذا ظن أنه قادر على تخطي هجوم أميركي، فلن يوقف إذاً برنامج الأسلحة النووية، بما أنه يشكّل جزءاً أساسياً من خطته الكبرى لتوحيد شبه الجزيرة، ولكن إذا اعتقد كيم أن الولايات المتحدة مستعدة للذهاب إلى الحرب وأنها بهذه الخطوة قد تهزمه، فسيعمد على الأرجح إلى وضع طموحاته الطويلة الأمد في مرتبة ثانية أمام مسألة الاستمرار الأكثر إلحاحاً.ونظراً إلى خطوات بيونغ يانغ الأخيرة، نلاحظ أن كوريا الشمالية خائفة وتحاول تصحيح سلوكها كي تتمكن من الاستمرار من خلال المحادثات بدل المواجهة.* جايكوب شابيرو* «جيوبوليتيكال فيوتشورز»