أكد سفير دولة جنوب السودان لدى الكويت، فرمينا مكويت رياك، أن الدول الإفريقية ومنظومتها تدعم مساعي ووساطة سمو أمير الكويت في لمّ شمل اللحمة الخليجية ورأب هذا الصدع، وذلك من خلال بيان أصدرته في بداية الأزمة، مضيفا أن دولة جنوب السودان قالت على لسان وزير خارجيتها دينك الون إنهم يؤيدون الموقف الذي اتخذته الكويت من هذه الأزمة لمعرفتها بالوضعية الخاصة التي تتمتع بها تلك الدولة الصديقة، سواء في سياستها المتوازنة أو دعمها للأوضاع الإنسانية في كل مكان.

وأكد رياك في لقاء مع «الجريدة» أن العلاقات بين الكويت وجنوب السودان راسخة منذ القدم حتى قبل الاستقلال عن السودان. ولفت إلى أن الكويت كانت سباقة في إقامة علاقات مع الجنوب، حينما فتحت مكتبا للمساعدات الكويتية في عاصمة إقليم جنوب السودان آنذاك (مدينة جوبا) ثم قنصلية عقب التوقيع على اتفاقية أديس أبابا عام 1972 بين حكومة جمهورية السودان بقيادة الرئيس الراحل جعفر نميري وحركة تحرير السودان «الممثلة للجنوبيين».

Ad

وأضاف أن شعب جنوب السودان لن ينسى المواقف الإنسانية والنبيلة لدولة الكويت شعباً وحكومة تجاه شعب بلاده، حيث قدمت الكويت كل العون والمساعدة للجنوب بعد انتهاء الحرب الأهلية الأولى وتحقيق السلام، وكانت أول دولة عربية تدخل إلى جنوب السودان بغرض التعمير والتنمية، كما كانت من أول الدول اعترافا بجمهورية جنوب السودان فور إعلان الاستقلال في العاشر من يوليو 2011.

وتحدث رياك عن العلاقات الدبلوماسية المتميزة بين البلدين الشقيقين وآفاق تطويرها، كما تحدث عن الفرص الاستثمارية الواعدة في بلاده، وغيرها من القضايا في سياق اللقاء التالي:

* كيف تصف العلاقات الثنائية بين الكويت وجنوب السودان؟

- علاقة جنوب السودان بدولة الكويت هي علاقة متينة منذ القدم، حيث تعود إلى بداية سبعينات القرن الماضي وتحديداً إلى العام 1974، حينما قررت دولة الكويت بقرار حكيم فتح مكتب للمساعدات الكويتية في عاصمة إقليم جنوب السودان آنذاك (مدينة جوبا)، ثم فتحت قنصلية بعد الاستقرار النسبي الذي شهده الإقليم عقب التوقيع على اتفاقية أديس أبابا عام 1972 بين حكومة جمهورية السودان بقيادة الرئيس الراحل جعفر نميري وحركة تحرير السودان "الممثلة للجنوبيين" لإنهاء الحرب الأهلية السودانية الثانية، ومنح الجنوبيين حكماً ذاتياً، لتكون لجمهورية مصر العربية ودولة الكويت الأسبقية في الوجود العربي في هذا الإقليم المهمش والمنسي من قبل الجميع.

السريع أول قنصل

* من هو أول قنصل في جنوب السودان؟

- الأديب والسفير والإنسان الراحل د. عبدالله السريع الذي عينته دولة الكويت قنصلا لها في جوبا بعد أن كان مديرا لمكتب المساعدات الكويتية في جنوب السودان، ثم سفيراً لدى جمهورية السودان، فكان بحق الرجل المناسب في المكان المناسب، وأضحى جسراً للتواصل المثمر الذي ربط بين الكويت وجمهورية السودان بصفة عامة وبين الكويت وإقليم جنوب السودان بخصوصية نادرة بحكم عمله في جنوب السودان لسنوات طوال حتى أطلق عليه الشعب الجنوبي "عبدالله جوبا"، نسبة للمدينة التي عمل بها وخدم أهلها، وأسهم شخصه الكريم في تنميتها هو وحكومته الرشيدة.

وإذا عدت وذكرت مساهمات دولة الكويت الكثيرة والكبيرة في دفع عجلة التنمية في دولتنا جنوب السودان عندما كان إقليماً منسياً، فلابد لي من ذكر من ربط البلدين بهذا الرباط الأخوي الإنساني المتميز وهو د. السريع الذي عمل على نقل الصورة الحقيقية لإنسانية الإنسان الكويتي ونقاء قلوب حكامها وعطاء شعبها، فكسب ود أهل جنوب السودان تجاه دولة الكويت وشعبها الكريم وأميرها الشهم السخي، وذلك من خلال عمله فترة طويلة في جنوب السودان امتدت لعقد من الزمان قضاها بحب ووئام وانسجام تام مع شعب وطنه الثاني جنوب السودان، وحظي بشعبية واسعة ومحبة فريدة بين الجنوبيين، حتى منحوه شهادة الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعة جوبا الجنوبية العريقة مع مجموعة من السياسيين المخضرمين بينهم المناضل نيلسون مانديلا وأبيل ألير وجوزيف لاقو".

اعتراف كويتي

* كيف أصبحت العلاقات بعد استقلال دولة جنوب السودان؟

- بعد إعلان الاستقلال في التاسع من يوليو من عام 2011، سارعت الكويت بخُطى واثقة نحو الاعتراف بالدولة الوليدة، وذلك من خلال اجتماع مجلس الوزراء الكويتي الذي عُقد في صبيحة اليوم التالي من الاستقلال الموافق العاشر من يوليو 2011، حيث أعرب المجلس عن ترحيبه باستقلال دولة جنوب السودان، وأعلن اعتراف الكويت الرسمي بها إيماناً باحترام إرادة الشعوب في تقرير مصيرها وتحديد مسار مستقبلها، متمنيا للدولة الوليدة وشعبها المزيد من التقدم والرفاه، وأعرب عن أمله في أن يسهم هذا التطور الإيجابي في إرساء دعائم الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، كما جاء في البيان الرسمي لمجلس الوزراء في ذلك الحين.

المشروعات التنموية

* ما أبرز المشروعات الكويتية لديكم؟

- شعب جنوب السودان لن ينسى بالتأكيد المواقف الإنسانية والنبيلة لدولة الكويت شعبا وحكومة تجاهه، فقد قدمت الكويت كل العون والمساعدة بعد انتهاء الحرب الأهلية الأولى وتحقيق السلام كأول دولة عربية تدخل إلى جنوب السودان بهدف التعمير والتنمية، وكان لقنصلها الراحل د. السريع، كما قلت، دور عظيم وبارز في تطوير هذه العلاقات من خلال المشروعات التنموية التي قام بتنفيذها والاشراف عليها، وعلى رأسها مستشفى الصباح للأطفال كأول مستشفى تخصصي حينها في مدينة جوبا، وأهم معالم وزارة الصحة هناك، وهو لايزال شامخا يخدم أطفال جنوب السودان، وكذلك تشييد حي سكني كامل في المدينة أطلق عليه "حي الكويت"، هذا إلى جانب بناء مسجد الكويت العتيق بسوق جوبا، إضافة إلى العديد من المدارس، وعلى رأسها مدرسة الصداقة الكويتية المتوسطة للبنات بحي كتور بمدينة جوبا، ومركز ثقافي يسهم في رفع الوعى الفكري والثقافي لسكان المدينة، وهي كلها شواهد حية على عمق العلاقات.

الغزو العراقي

* وهل كان لكم موقف واضح تجاه الغزو العراقي للكويت؟

- بالتأكيد، فإن العلاقات السياسية والاقتصادية والإنسانية التي تجمع جنوب السودان بالكويت جعلت جنوب السودان يقف دون تردد إلى جانب الحق الكويتي إبان الغزو العراقي، حين قامت قوات صدام حسين باحتلال غاشم لدولة الكويت في الثاني من أغسطس 1990، وحاولت محو تاريخها العريق، فما كان من الزعيم الراحل، قائد ثورة التحرير لجنوب السودان، د. جون قرنق، إلا أن أعلن على الملأ رفض الاحتلال العراقي للكويت، بل وأبدى استعداد قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان للمشاركة ضمن قوات التحالف الدولي لتحرير الكويت بقوة عسكرية تحت قيادة الرئيس الحالي لجمهورية جنوب السودان الفريق أول سلفا كير ميارديت.

وبعد أن أصبح جنوب السودان دولة حرة مستقلة ذات سيادة، فإنه لم ولن ينسى أصدقاءه الذين وقفوا إلى جانبه في أوقات الشدة وأيام النضال وثورة التحرير، وعلى رأس هؤلاء الأصدقاء الأوفياء دولة الكويت الصديقة التي لم تكل أو تمل في تقديم الدعمين المعنوي أو المادي، لذلك تحركت دبلوماسيتنا لتتويج هذه العلاقات التاريخية المتميزة بعلاقات قانونية رسمية، فكانت زيارة وكيل وزارة خارجية جنوب السودان السابق السفير شارلس منيانيق إلى دولة الكويت لوضع الإطار القانوني للعلاقات بين البلدين، وأسفرت الزيارة عن توقيع مذكرة تفاهم لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وذلك في الثالث عشر من فبراير 2013، وعلى إثر ذلك عملت جمهورية جنوب السودان على تأسيس وفتح سفارة لها في دولة الكويت.

* وماذا عن مستوى الزيارات الرسمية المتبادلة بين البلدين؟

- رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير زار الكويت للمشاركة في أعمال القمة العربية - الإفريقية الثالثة التي استضافتها الكويت في نوفمبر 2013 والتقى سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، وأكد الزعيمان أهمية تطوير العلاقات بين البلدين الشقيقين، وأشاد الرئيس كير بالدور التاريخي للكويت في جنوب السودان ومساهماتها التنموية التي لا تعد ولا تحصى.

والعلاقات الكويتية - الجنوب سودانية وطيدة منذ الزيارة الخاصة لوزير الداخلية الكويتي الأسبق الشيخ علي الصباح، طيّب الله ثراه، إلى العاصمة السودانية الخرطوم في نهاية سبيعنيات القرن الماضي، وكانت زيارة للراحة والصيد، فاقترح عليه "عبدالله جوبا" الذي كان مديراً لمكتب المساعدات الكويتية وقتها، زيارة المدينة السودانية الأحب إلى قلبه حينها "جوبا"، حيث المناخ المعتدل معظم العام والصيد الوفير وطيبة وبساطة أهلها، فما كان من الوزير إلا أن نفذ الفكرة، وزار المدينة برفقة سفير الكويت لدى جمهورية السودان حينها السفير محمد البلهان "أمد الله في عمره"، وكان لهذه الزيارة الأثر الأبلغ في نفوس الجنوبيين وتوطيد علاقة "عبدالله جوبا" بالعديد منهم.

استثمارات كويتية

* وهل هناك استثمارات كويتية حالياً في جنوب السودان؟

- جمهورية جنوب السودان تتمتع بموارد طبيعية كبيرة جدا، خصوصا في مجالات الزراعة والثروات المعدنية والنفط الذي اكتشف بكميات ضخمة في مناطق عدة، كما أن هناك الكثير من الفرص الاستثمارية الواعدة في القطاعات كافة يمكن للمستثمرين الأجانب الدخول فيها في ظل قانون استثمار مشجع ومحفز لهم، ولا شك في أن الأشقاء الكويتيين مرحب بهم في كل وقت.

العلاقة مع السودان

* كيف هي العلاقة بين دولة جنوب السودان وجارتها جمهورية السودان؟

- لا شك في أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين جمهوريتي جنوب السودان والسودان، وقد أكسبت هذه القواسم العلاقة بين البلدين بعدها الاستراتيجي. وبعد استقلال جنوب السودان برزت قضايا عدة متصلة بالحدود والنفط، وقد تم التوقيع على اتفاقية التعاون المشترك بين البلدين في 29 سبتمبر 2012، وتعتبر هذه الاتفاقية آلية لحل كل الملفات العالقة، سواء كانت أمنية أو اقتصادية أو سياسية وغيرها.

ولا تقتصر العلاقة من السودان على هذا الجانب فقط، بل ما يربطنا أكبر وأكثر، فهناك صلات دم حيث إن اجزاء من القبائل المنتمية للجنوب مازالت تعيش في الشمال والعكس.

مستقبل الاستثمار والرخاء يتجه إلى إفريقيا

أكد السفير فرمينا رياك أن مستقبل الاستثمار والرخاء يتوجه حالياً لإفريقيا، وأن الكويت من اوائل الدول التي لديها حضور في القارة الإفريقية، و»انا دعوت المسؤولين الكويتيين الى تكثيف الوجود لما تتمتع به القارة من مقومات عديدة»، موضحا أن حالة عدم الاستقرار التي كانت تخيف المستثمرين اصبحت في كل دول العالم بعد العمليات الإرهابية التي تضرب جوانبه وإفريقيا لديها القدرة على السيطرة على الأوضاع الأمنية بمساعدة الأشقاء في الدول العربية والكويت والمجتمع الدولي.

السفير الكويتي «عبدالله جوبا»

قال السفير رياك إنه رغم أن للأديب الإنسان والسفير د. عبدالله السريع (عبدالله جوبا)، رحمه الله، العديد من الكتب والمؤلفات القيّمة، فإن الكتاب الأحب إلى نفوس الجنوبيين هو كتابه «سنوات في جنوب السودان» الذي صدر في عام 1986، وسرد فيه بحب تجربته ومشواره وعمله في عاصمة جنوب السودان، وكتاب آخر بعنوان «كنت سفيراً في السودان» صدر عام 1992، وتناول فيه الأوضاع في السودان خلال فترة عمله هناك أثناء الغزو العراقي.

وعندما انتقل هذا الدبلوماسي الإنسان إلى رحمة الله تعالى في مدينة الكويت عام 2000 كانت مدينة جوبا تتلقى العزاء فيه في سرادق عزاء ضخم حتى أن يوم تأبينه أُعلن عطلة رسمية في عاصمة الولايات الجنوبية مدينة جوبا، وأقيم له حفل تأبين ضخم تعبيراً عن العرفان والمحبة العميقة في نفوس أهل الجنوب للراحل المقيم دائماً في قلوبنا، حضره نجله الدبلوماسي أحمد عبدالله السريع. وإن كان «عبدالله جوبا» قد رحل، فإن ما زرعه من بذرة علاقات إنسانية جميلة مازلنا نعمل جاهدين على حصد نتائجها الطيبة.

استقلال الجنوب وصراع الداخل

تقع دولة جنوب السودان في شمال شرق إفريقيا، وهي دولة ساحلية نالت استقلالها من السودان في عام 2011 عاصمتها الحالية جوبا، وهي أيضا أكبر مدنها.

وكان مخططا أن يتم تغيير العاصمة إلى رامشيل التي تقع في مكان أكثر مركزية، وذلك قبل اندلاع الحرب الأهلية.

ويحد جنوب السودان في الشمال السودان، وإثيوبيا من الشرق، وكينيا من الجنوب الشرقي، وأوغندا إلى الجنوب، وجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الجنوب الغربي، وجمهورية إفريقيا الوسطى إلى الغرب. ويشمل منطقة مستنقعات شاسعة من السد، التي شكلتها النيل الأبيض والمعروف محليا باسم بحر الجبل.

وقد احتلت الأراضي الحديثة لجنوب السودان وجمهورية السودان عن طريق مصر تحت حكم أسرة محمد علي الإلبانية، وبعد ذلك حكم باعتبارها عمارات الأنجلو المصرية، إلى أن تحقق استقلال السودان في عام 1956 وبعد الحرب الأهلية السودانية الأولى، تم تشكيل منطقة جنوب السودان الذاتية الحكم في عام 1972، واستمرت حتى عام 1983.

وسرعان ما وضعت الحرب الأهلية السودانية الثانية أوزارها، وانتهت باتفاق السلام الشامل لعام 2005 بين الجيش الشعبي لتحرير السودان والحكومة السودانية، وفي وقت لاحق من ذلك العام، تم استعادة الحكم الذاتي في الجنوب عندما تم تشكيل حكومة الحكم الذاتي هناك.

وأصبح جنوب السودان دولة مستقلة في 9 يوليو 2011، في أعقاب الاستفتاء الذي مرت مع 98.83 في المئة من الأصوات، وهي دولة عضو في الأمم المتحدة، ودولة عضو في الاتحاد الإفريقي من جماعة شرق إفريقيا والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وفي يوليو 2012 وقعت دولة جنوب السودان اتفاقيات جنيف.

وعانت دولة جنوب السودان الصراع الداخلي منذ استقلالها، واعتبر من 2016 أن لديها ثاني أعلى درجة على مؤشر الدول الهشة.