انتهت دولة الرفاهية ليبدأ عهد الدولة البوليسية، هذا هو واقع الحال في الكويت والشواهد والتطبيقات على ذلك تتوالى منذ عام 2012 وبشكل منتظم ومدروس لغرس هذا الشعور كثقافة سياسية جديدة في روح كل مواطن دون استثناء.الطريقة المخزية التي تعاملت بها أجهزة الدولة الأمنية واستعراض العضلات في اعتقال السيدة الفاضلة نجاة القلاف والأستاذ علي الثويني والحجز التعسفي في مكان مجهول تذكرنا بعهد الحكومات الشيوعية السابقة، فالتهم التي وجهت إلى هاتين الشخصيتين المعروفتين بإخلاصهما لقضايا المعاقين وهمومهم وبشهادة أولياء الأمور وعموم المجتمع الكويتي، وهي تسريب بعض الأوراق الرسمية بزعم وزيرة الشؤون، لا ترتقي على الإطلاق إلى أن تأخذ هذا المنحى الأمني الخطير!
القلاف والثويني كغيرهما من المواطنين الشرفاء والغيارى على حقوق وكرامة الشعب الكويتي والغاضبين على استباحة الأموال العامة واللعب المكشوف في التعيينات والبذخ على مزاياها الوظيفية التي استمرأتها الحكومة مؤخراً، يدفعان ثمن الإخلاص والنزاهة، ومن خلالهما تريد الحكومة إيصال رسالة تكميم الأفواه ومنع التصدي للفساد ورموزه ولو كان ذلك من باب التعبير عن الرأي.في الدول المتحضرة حيث الحكومة تحترم نفسها قبل الجميع ثم تحترم شعبها عادة ما تتزامن سياسات التقشف الاقتصادي مع إطلاق المزيد من الحريات العامة والشخصية، أولاً لفتح باب التنفيس للناس منعاً لأي انفجار للغضب الشعبي على مضايقته في لقمة عيشه وحرمانه من المزايا التي كان يتنعم بها، وثانياً لخلق توازن بين الاقتصاد والسياسة، حيث إن توسيع دائرة الحريات يعني استعداد الحكومة لقبول الرقابة الشعبية على تصرفاتها ضماناً لمبدأ الشفافية ولبيان أنها القدوة الأولى في مسار الإصلاح.أما الحرمان الاقتصادي والمصاحب للحرمان السياسي فينتج عنه مفهوم الحرمان النسبي الذي يتحول بدوره إلى الانفجار الشعبي كما في العديد من التجارب الأممية القديمة والحديثة، فموس الحكومة على رؤوس الناس مع تكميم أفواههم هو اللعب بالنار.إن تعامل الحكومة، وبتحريض من وزيرة الشؤون، مع نجاة القلاف وعلي الثويني، هدفه واضح، حيث تسعى الوزيرة إلى نسف قانون رقم 10 لسنة 2010 بشأن المعاقين وإلغاء المزايا التي تحققت لهذه الشريحة المستضعفة بعد عناء وصبر طويلين، وكأنها تصرف عليهم من جيبها الخاص، وكنا نتمنى هذا الاستبسال من السيدة الوزيرة للتصدي للفساد في وزارتها واستهتار القيادات التي اختارتها من خارج رحم التخصص والكفاءة لإدارة شؤون المعاقين حتى بالدوام والحضور، وهو أضعف الإيمان، ناهيك عن أضحوكة جيش المستشارين التي ابتدعت في عهدها.أما الرسالة الأهم من هذه التصرفات الأمنية الجديدة فهي إعلان سياسة القمع المباشر وبدء عهد الدولة البوليسية وتكميم الأفواه، التي أصدرت الحكومة لها جملة من القوانين المجحفة، وبدأت فعلياً بإغلاق القنوات الفضائية والصحف اليومية، لتنتقل الآن إلى كتم أنفاس كل مواطن، ويبقى أن نجاح الحكومة في بسط هذه الحالة البوليسية دون حسيب ولا رقيب مؤشر واضح على خيبة مجلس الأمة وضعفه وتقاعسه عن الانتصار لحقوق الناس بما نراه من صمت الكثير من أعضائه صمت القبور!
مقالات - اضافات
من دولة الرفاهية إلى الدولة البوليسية!
01-09-2017