هل ينجح الداعية الجاهل سياسياً؟
العمل الدعوي عمل قائم على شروط يجب توافرها في رجل الدعوة، أولها حسن السمعة والسير والسلوك، وأن يطبق ما يقول أو ما يدعو إليه، والصبر وعدم التغيير بالقوة، بل بالتبليغ والأمانة والصدق والإخلاص لله في عمله الدعوي... وغيرها من صفات جميلة وأخلاقية يجب أن يتصف بها الداعية.قرأت مقالة لعصام سلطان كتبها داخل محبسه، وجدت فيها قوة النقد ورجاحة العقل والمنطق، كيف ينتقد جماعة يتعايش معها وحريته مقيدة لتأييده لها أو تأييده على الأقل لمطالب كانت أهداف ثورة، ولكنه محسوب عليها، جماعة يراها أنها الأضعف سياسيا حتى لو كانت التيار الأقوى تنظيما، وقيادتها تعاني ضعف الوعي السياسي أو تفهم الظروف الدولية والإقليمية، وتحاول أن تفرض واقعها ومنهجها السياسي الذي لا يصلح لقيادة التيار الإسلامي نفسه، فكيف ستقود العالم به، وهي لا تدرس هي ولا منتسبوها سبل النجاح السياسي؟ جماعة تعارض منذ سنوات السلطة وشريكة معها في الوقت نفسه، وهي جزء من نظامها، لكنها الجزء المستضعف ودائما تقبل بأنصاف الحلول في مرحلة الضعف والإنهاك ولو على حساب الوطن، وشبابها الجاهلون سياسيا تقودهم العاطفة ليستسلموا للدعوات الانتحارية من قادتهم ويصبحوا ضحايا لأفكارهم وصراعهم القيادي!!
نتائجهم في التفاوض سلبية مع عدم قدرتهم على حسن استغلال عامل الزمن لتقليل الخسائر، والنتيجة جماعة مغلوبة أو تعاني بسبب الحليف وتجيد فن الشكوى وتأدية دور الضحية. جماعة الإخوان المسلمين أوجدت نفسها في الشارع والسلطة ولم توجد نفسها في الاستمرار بدرجة وجودها في الشارع المصري، بل العربي والعالمي، كانت جماعة يعلق عليها الأمل في بعض البلدان العربية بأن تغير من معاناة الشعوب في عيش أفضل، إلا أن هذه الشعوب وجدتها حلما صعبا لتحقيق الاستقرار وذلك لتحالفاتها أو أهدافها الخاصة، وجدت قياداتها يعيشون في صراع على الأدوار أكثر من العمل الدعوى ونجاح الدعوة، وجدتهم جاهلين سياسيا وذاكرتهم سميكة. ربما أحباب الجماعة أو الذين يَرَوْن الأمر من منطلق عاطفي يزعجهم ما أكتبه، ولكن هذه حقيقة أن الجماعة أخطأت كثيرا في الماضي والحاضر، ولا يمكن أن تمر الأخطاء لدى الشعب بسهولة، فهذا لا يعني أنني أعطي مبررا لما يحدث مع أي فصيل معارض في مصر، فأخطر ما تعانيه دولة أو نظام سياسي هو التهميش لجماعة أو فصيل من المجتمع، ولكن على هذه الجماعات أن تتصالح فيما بينها أولا قبل أن تطلب من أي فصيل أو قوة أخرى التحالف أو الوقوف معها، فإذا كانت هي خدعت من السلطة والنظام فما ذنب الشعب أن يتحمل الأخطاء من الطرفين؟أعود إلى مقالة عصام سلطان التي انتقد فيها الجماعة بأن مناهجها لا تدرس السياسة أو القانون أو السياسة الدولية، وعمل مقارنة بين السياسي والداعية، واستند إلى عامل الزمن لدى السياسي، واستغلاله هذا العامل لدى الداعية وخطورة إهماله، فرجل الدين إن لم يدرس السياسة جيدا من وجهة نظري هو أشبه بالمنتحر دينيا وسياسيا ولن يحقق شيئا. والشعب بين مطرقة النزاع الإسلامي بمختلف توجهاته ومسمياته والأنظمة السلطوية وبطشها ورعبها من التيارات الإسلامية، هذا النزاع الذي حولها إلى مارد يفتك بأي محاولة ديمقراطية أو تغيير حقيقي ينتج عنه الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، والتي تتطلب تضافر جميع الجهود من منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والأحزاب والمعارضة، وكل هذه المؤسسات اختفت مع الخوف والرعب، لذلك أصبح الإصلاح دربا من دروب الخيال. ولكن يجب ألا نيأس من أن نحلم بالإصلاح الاجتماعي وتحقيقه.