أفغانستان وجيرانها
أعلن ترامب أخيراً بعد مرور سبعة أشهر على توليه منصبه خطط إدارته لخوض أطول معركة متواصلة في تاريخ الولايات المتحدة، فأخبر الأمة في خطاب بُث في وقت الذروة وحدد استراتيجيته في أفغانستان: "دفعني حدسي الأول إلى الانسحاب، وأفضّل تاريخياً أن أتبع حدسي"، ولكن بعد دراسة الوضع، وبعد أشهر من التأرجح في وجه صراعات داخلية محتدمة بشأن هذه المسألة بين فريق عمله، بات يدرك لمَ لا يُعتبر الانسحاب حكيماً: "رُسمت خطط اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، التي تُعتبر الهجوم الإرهابي الأسوأ في تاريخنا، في أفغانستان وأديرت من هذا البلد لأنه كان خاضعاً لحكومة قدمت الملجأ والأمان للإرهابيين".أصاب ترامب بإدراكه أن على الولايات المتحدة، إذا أرادت تبديل الوضع في أفغانستان، أن تغيّر استراتيجيتها في المنطقة الأوسع، إلا أنه لم يأتِ على ذكر سوى الدول الواقعة إلى شرق أفغانستان وجنوبها، ولم يتحدث مطلقاً عن جارتها الغربية الملاصقة لها، التي تستمتع بنشر الفوضى في هذا البلد وغيره: إيران.أشار ترامب إلى أن "باكستان تقدّم غالباً ملجأ آمناً لعملاء ينشرون الفوضى، والعنف، والإرهاب"، لكن هذا ما تقوم به أيضاً الجمهورية الإسلامية، متفوقةً على باكستان، فتعتبر إيران أنها تصيب عصفورين بحجر واحد هناك، فالتأثير في دولة أفغانية تعيش باستمرار حالةً من عدم الاستقرار أكثر سهولة، وتستطيع إيران من خلال حركة طالبان المساهمة في ضرب ما تدعوه الشيطان الأكبر: الولايات المتحدة. في تقرير طويل بعنوان "إيران تستعرض عضلاتها في أفغانستان فيما يتراجع الوجود الأميركي"، تفصّل صحيفة "نيويورك تايمز" الطرق التي تساهم بها إيران في تنفيذ الأعمال الإرهابية. كذلك يعيش بعض مقاتلي طالبان في إيران، متنقلين ذهاباً وإياباً عبر الحدود. وتجنّد هذه الحركة أيضاً محاربين جددا وتدربهم في هذا البلد. بالإضافة إلى ذلك تمنح إيران إرهابيي طالبان مساعدة مباشرة من وقود، وأسلحة، ومال نقدي. وكما أخبر مسؤولون أفغان "نيويورك تايمز"، "تسعى إيران بدأب لتقويض الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية والمهمة الأميركية بأكملها والحفاظ على نفوذها في أفغانستان بجعلها ضعيفة وخاضعة".
شارفت إدارة ترامب، وفق التقارير، على الانتهاء من مراجعتها السياسة الأميركية تجاه إيران، وأوضح الرئيس أنه يرغب في تقويض خطة العمل الشاملة المشتركة التي وقعها سلفه. رغم ذلك، استسلم مرتين لضغوط مستشاريه وأعاد تصديقها. أعلن ترامب في خطابه أننا "قد نتمكن ذات يوم من التوصل إلى تسوية سياسية تشمل عناصر من حركة طالبان في أفغانستان". بدا هذا التصريح غريباً لأنه يتناقض مع إعلانه "أن من حق الشعب الأفغاني تحديد مستبقله بنفسه، إدارة مجتمعه، وتحقيق السلام الدائم"، فهل يرغب الشعب الأفغاني في أن يحكمه أصوليون قتلة ذبحوا المدنيين وقمعوا النساء بوحشية قبل أن تحل محلهم أول حكومة منتخبة في هذا البلد؟ لم تكن هذه رغبة الأفغانيين في صناديق الاقتراع، لكن أحد المتحدثين باسم طالبان أعلن ذات مرة: "لا تتوافق الانتخابات العامة مع الشريعة، لذلك نرفضها".أقر وزير الخارجية ريكس تيلرسون أن "ثمة خلافات" بينه وبين الرئيس بشأن صفقة إيران النووية، لكن هذه الخلافات لا تقتصر على هذه الصفقة على ما يبدو، ونشر تيلرسون تصريحاً عشية خطاب ترامب ذكر فيه أن أمام حركة طالبان مساراً إلى "الشرعية السياسية"، وأضاف: "نعرب عن استعدادنا لدعم محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان بدون أي شروط مسبقة"، وتابع موضحاً أن باكستان "قد تشكّل شريكاً مهماً في سعينا إلى تحقيق هدفنا المشترك: نشر السلام والاستقرار في المنطقة". إذاً، يبدو وزير خارجية ترامب أكثر استعداداً من الرئيس لعقد الصفقات مع الإرهابيين وداعميهم، لذلك نأمل أن يكون هذا أحد المجالات التي يصر فيها الرئيس على التمسك بسلطته.* كيلي جاين تورانس* «ويكلي ستاندرد»