في أكبر تجمُّع ديني بالعالم، احتشد أكثر من مليوني حاج أمس على صعيد عرفات الطاهر، لأداء الركن الأعظم من مناسك الحج. ومع اكتمال صعودهم، أدى الحجاج صلاتي الظهر والعصر جمعاً في هذا المشعر. وبعد أن استمعوا لخطبة وقفتهم في مسجد نمرة، تعالت الأصوات بالدعوات والابتهالات، طالبة من الله العفو والغفران، وأن يعم السلام العالم، وتتوقف إراقة الدماء في جميع الأنحاء.

ومع طلوع فجر أمس انطلق الحجاج، الذين ارتدى الرجال منهم لباس الإحرام الأبيض، من مشعر منى، إذ قضوا ليلتهم باتجاه صعيد عرفة وجبل الرحمة، حيث ألقى الرسول، صلى الله عليه وسلم، خطبة الوداع من فوقه قبل نحو 1400 عام، قاطعين بضعة كيلومترات بواسطة الحافلات أو قطار المشاعر أو سيراً على الأقدام.

Ad

وتحت تحليق مكثف من المروحيات ورعاية الآلاف من رجال الأمن، وقف الحجاج فوق الجبل، لأداء الركن الأعظم من الحج، وألسنتهم لا تكاد تتوقف عن ترديد التلبية (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك)، رغم تخطي الحرارة 40 درجة.

واستقرت جموع حجاج بيت الله الحرام على الصعيد الطاهر، ليشهدوا الوقفة الكبرى في مشهد إيماني مفعم بالخشوع والسكينة، ملبين متضرعين، داعين الله، عز وجل، أن يمنَّ عليهم بالعفو والمغفرة والرحمة والعتق من النار.

خطبة عرفة

وغداة تكليفه، حثَّ المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ د. سعد الشثري، في خطبة عرفة، المسلمين على الاجتماع والتآلف والتعاون على الخير، مبينا أن الدين الإسلامي شدد على مبادئ الأمن والاستقرار في المجتمع "لتزدهر به الحياة، وتنمو به التجارات وتطمئن به القلوب".

وأكد الشثري أن المسلم مساهم في الأمن بكل مكان، فهو لا يعتدي، ولا يتجرأ على أمان غيره، أو يسفك الدم، محذراً من عواقب "تجاوز ما أمر الله به من طاعة ولاة الأمور، بما يحفظ النظام العام، وينتج عنه استقرار البلدان وأمنها".

وأضاف: "المسلم يمقت الاعتداء على الآمنين من المسلمين وغيرهم في مختلف البلدان، ويدين الاعتداء والجماعات الإرهابية"، مشيرا إلى أن الشريعة الإسلامية جاءت بما يحفظ الأمن والاستقرار في كل المجالات، فحفظت الأمن العقدي والفكري والسياسي والأخلاقي، كما جاءت بحفظ الأمن في الدول والأوطان، وزراعة محبة الخير في القلوب، فيتمنى المرء لأخيه ما يتمناه لنفسه".

وزاد الشيخ الشثري أن المسلمين نهوا عن الجاهلية العصبية المقيتة، والتمييز بين الناس، ورفع الشعارات والتفاخر بالآباء والأجداد، محذرا من جعل موسم الحج من أوامر الجاهلية، بأن يجعل موسما للمزايدات أو مكانا للشعارات أو التظاهرات أو الدعوة للأحزاب والتجمعات.

حواجز متنقلة

وفي مساحة لا تزيد على بضعة كيلومترات مربعة، نصبت حواجز متنقلة عند سفح جبل عرفات لتنظيم تدفق الحشود المليونية خصوصا عند تصعيدهم ونفرتهم.

وخصصت السلطات السعودية إمكانيات كبيرة لتأمين سلامة الحجاج والحج، مؤكدة أنها على أتم الاستعداد لمواجهة أي طارىء خلال أداء المناسك في مساحة لا تزيد على بضعة كيلومترات مربعة.

ووفق وكالة الأنباء السعودية (واس)، فإن حركة الحركة المرورية لانتقال ضيوف الرحمن من منى إلى عرفات شهدت انسيابية ومرونة، بفضل ما هيأته حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد محمد بن سلمان من إمكانات ضخمة وترتيبات متميزة، لينعم الحجاج بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان.

وتابع وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا، الأمير عبدالعزيز بن سعود، ومستشار خادم الحرمين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل، عملية تصعيد الحجاج إلى مشعر عرفات، وأمرا بتوفير أفضل الخدمات، ليؤدي ضيوف الرحمن النسك وهم آمنون مطمئنون.

خطة المرور

وأكد مساعد قائد قوات أمن الحج لشؤون المرور اللواء خالد بن أحمد الضبيب، نجاح عملية التصعيد لمشعر عرفة، مشيرا إلى أنه سيتم التصعيد بشكل كبير من خلال طريق الطائف السريع، إلى جانب وجود خطوط طولية لنقل الحركة المرورية من مزدلفة إلى عرفات، علاوة على وجود خطوط عرضية مهمتها التبديل بين الخطوط الطولية، لتمكين الحجاج من الوصول إلى مواقع مخيماتهم في عرفات.

وأوضح أن خطة النفرة من عرفات إلى مزدلفة تمت من خلال فتح جميع الطرق من الشرق إلى الغرب، للوصول إلى مزدلفة، إضافة إلى طريق الطائف السريع، فيما تعمل الشوارع داخل مشعر عرفات على نفس ما عملت عليه في مرحلة التصعيد، والطرق العرضية ستظل كما هي في مرحلة التصعيد.

كما أكد قائد قوات الطوارئ الخاصة اللواء محمد العصيمي، جاهزية منشأة الجمرات لاستقبال الحجاج، من خلال ستة طوابق تتوافر فيها الإمكانات كافة، مشيرا إلى خدمات وإمكانات مادية متطورة من كاميرات مراقبة وغيرها، إلى جانب العنصر البشري المدرب على التعامل مع الحشود.

مزدلفة والإفاضة

ومع مغيب شمس يومهم المشهود، نفر الحجيج إلى مزدلفة، حيث أدوا صلاتي المغرب والعشاء جمعا، وباتوا ليلهم في المشعر الحرام، قبل التوجه عقب شروق شمس اليوم العاشر من ذي الحجة إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى بسبع حصيات، ومن ثم ذبح الهدي والحلق أو التقصير، فالتحلل الأصغر، ثم التوجه إلى مكة لأداء طواف الإفاضة، في الحرم المكي.

بدوره، أعلن نائب الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي محمد الخزيم، اكتمال الاستعدادات لاستقبال ضيوف الرحمن ﻷداء طواف الإفاضة والسعي في المسجد الحرام بكل يسر وسهولة، مؤكدا جاهزية جميع الإدارات للقيام بعملهم على أكمل وجه، وبالصورة المطلوبة.

وتزينت لهذا الحدث الجلل الكعبة المشرفة، التي تستقبل اليوم كل الحجيج لأداء طواف الإفاضة وصلاة عيد الأضحى في تجمع فريد، باستبدال ثوبها القديم أمس بآخر جديد تمت صناعته من الحرير الخالص بقيمة إجمالية تبلغ 22 مليون ريال.

نفقات الهدي

وفي مبادرة جديدة، تكفل الملك سلمان بنفقات الهدي لجميع الحجاج المستضافين ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للحج والعمره لهذا العام، البالغ عددهم 5000 حاج وحاجة، وفق الأمين العام للبرنامج عبدالله المدلج، الذي أوضح أن هذه المكرمة شملت جميع المستضافين، ومن بينهم ذوو شهداء فلسطين وأقارب شهداء الجيش والشرطة المصرية، وأهالي شهداء ومصابي الجيش السوداني المشارك في عاصفتي الحزم وإعادة الأمل، بالإضافة إلى ضيوف البرنامج العام القادمين من أكثر من 80 دولة.