لا شك في أن الموقع الجغرافي يفرض على سكانه امتهان أعمال معينة تتناسب مع المكان، فعلى سبيل المثال ساعد الموقع الجغرافي للكويت على امتهان مهنتي الغوص والسفر للتجارة مع الهند ومناطق أخرى باستخدام السفن الشراعية، وكان لتلك الأعمال انعكاسها الكبير على الحياة في الكويت ونمو نشاطها التجاري واستقرار المجتمع.

أما المناطق البعيدة عن البحر فيكون لها مهن ونشاطات تجارية مختلفة تتناسب مع بيئتها الصحراوية. ونظراً لوجود منطقة القصيم بالمملكة العربية السعودية في وسط الجزيرة العربية، وتحيط بها الصحاري من كل مكان، فقد اتجه أبناؤها منذ مئات السنين إلى العمل التجاري عبر الصحاري وعلى ظهور الجِمال، ينتقلون من بلد إلى بلد يبيعون ويشترون ويعودون إلى أرضهم بمكاسبهم المالية وبضائعهم الحيوية.

Ad

وقد أُطلق على هؤلاء التجار اسم "عقيل" أو "العقيلات"، ووردت آثار ونصوص كثيرة تدل على قوتهم التجارية ورحلاتهم المضنية وتأثيرهم على المدن والمناطق التي يرتحلون إليها ويتاجرون معها. والعقيلات، التي نعنيها، ليست اسماً لقبيلة أو عائلة، بل هي لقب أطلق على تجار نجد، وخصوصاً أهل القصيم، لاستخدامهم "العقال" الذي كان يستعمل أصلاً لربط أرجل الإبل والسيطرة عليها.

يقول الأستاذ عبداللطيف الوهيبي في كتابه "العقيلات مآثر الآباء والأجداد على ظهور الإبل والجياد" إن العقيلات "هم تجار من نجد وبالأخص من منطقة القصيم، جلّهم من أهل بريدة وأريافها، وعنيزة، إضافة إلى الرس، والبكيرية، والشقة، وعيون الجواء، وأوثال، والقرعاء، وقصيباء، والطرفية، والشماسية، والربيعية، والأسياح، والخبراء، ورياض الخبراء، والبدايع، والنبهانية، والمذنب، لا ينتمون إلى عائلة معينة، بل من عدد من قبائل عربية شتى من حاضرة القصيم، تجمعهم كلمة "عقيل"، وهي مهنة تجارية يتاجرون بالإبل بالدرجة الأولى والخيل والتجارة العامة...".

أما المؤرخ المشهور الشيخ حمد الجاسر فقد فصّل في التسمية قليلاً، وذكر أن "عقيلاً" نسبة إلى قبيلة عقيل العامرية، التي سكنت نجد، وامتهنت تجارة الإبل مع المناطق والأقاليم المجاورة، ثم أصبح اللقب يطلق على كل من زاول هذه المهنة من أهل نجد. ونلاحظ أن كلمة "عقل" مرتبطة بالإبل منذ قديم الزمان، وما قيل في ذلك على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم "اعقلها وتوكل" يؤكد ذلك ويعززه. بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث آخر "تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عُقُلها".

وكان تجار العقيلات يبيعون إبلهم وبضائعهم في أسواق كثيرة، أولها سوق الِجْردة ببريدة، وسوق عنيزة وسوق حايل، وسوق الجوف، وسوق الإحساء، وسوق الكويت، وأسواق العراق كالبصرة وبغداد وغيرهما، وأسواق سورية كسوق دمشق والغوطة وحوران وغيرها، وأسواق الأردن، وأسواق فلسطين، وأسواق مصر، وغيرها كالسودان والهند. في المقال المقبل سنتحدث عن صفات العقيلات وأسلوبهم التجاري في عقد الصفقات، ومرجعي في ذلك كتاب العقيلات للأستاذ عبداللطيف الوهيبي.