الروبوتات و«الأتمتة» ترسمان ملامح المستقبل في الصين

نشر في 02-09-2017
آخر تحديث 02-09-2017 | 00:00
حتى المتفائلون يقرون بأن مستويات الديون في الصين عالية جداً لكنهم يتمسكون بأمل أن تفضي الخدمات المتنامية في القطاع إلى تعزيز معدلات الاستهلاك بشكل أقوى، وبالتالي تقليص الحاجة إلى الاستثمارات التي تقوم على الائتمان، وهو ما سيضع اقتصاد البلاد على طريق مستدام في الأجل المتوسط.
 بلومبرغ • إذا تحدثت إلى خبراء في الشؤون الصينية في هذه الأيام فإنك سوف تحصل على واحدة من وجهتي نظر متضاربتين حول وضعها وصورتها في المستقبل. وتقول الحكمة السائدة في هذا الشأن إن القطاع الصناعي الذي لم يتعرض الى اعادة اصلاح في ذلك البلد وما واكبه من زيادة في مستويات الديون إنما يعني بكل وضوح أن الصين تمضي في مسار غير مستدام مع احتمال التعرض الى أزمة مالية في المستقبل غير البعيد الى حد كبير.

وتجدر الاشارة الى أن المتفائلين يقرون بأن مستويات الديون في الصين عالية جداً ولكنهم يتمسكون بالأمل في أن قطاع الخدمات المتنامي سوف يفضي الى تعزيز معدلات الاستهلاك بشكل أقوى، وبالتالي فإنه سوف يقلص الحاجة الى الاستثمارات التي تقوم على الائتمان ومن ثم سوف يضع اقتصاد البلاد على طريق مستدام في الأجل المتوسط.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ماذا لو أن الطرفين كانا على خطأ في ما ذهبا اليه حول هذا الموضوع؟

ويمكن القول إن ذلك هو احتمال أشارت اليه ما يطلق عليها الأتمتة السريعة للمعامل في الصين، وعلى سبيل المثال قامت الصين في سنة 2016 بتركيب وتشغيل 87000 من الروبوتات الصناعية وهي زيادة بنسبة 27 في المئة عن أرقام سنة خلت، كما أنها تمثل رقماً قياسياً بالنسبة الى ذلك البلد. وقد يستمر معدل النمو السنوي عند وتيرة تصل الى 20 في المئة الى سنة 2020 وذلك بحسب تقديرات الاتحاد الدولي للروبوتات، وذلك مجرد البداية فقط. ويرجع ذلك الى أن الرئيس الصيني زي جينبنغ كان قد دعا الى ما يعرف باسم «ثورة الروبوتات» مع تخطي الصين لطاقة التصنيع في دول اخرى.

ويقول ماكس تشو وهو المدير العام في شركة «اي ديودار» الناشئة لصناعة الروبوتات: «سوف نستمر في صنع روبوتات الى أن يأتي الوقت الذي لن يوجد فيه عمال في المعامل»... ولكن ماذا قد يعني ذلك بالنسبة الى الاقتصاد في الصين؟

الأخبار كانت مختلطة في داخل البلاد، وقد تمثلت واحدة من الفوائد في أن الأتمتة يجب أن تزيد من معدلات الانتاجية. ويشار في هذا الصدد الى أنه في كوريا الجنوبية، وهي الدولة التي تتمتع بأعلى كثافة في انتشار الروبوتات وصلت أرباح كل عامل في شركات صناعة السيارات الى 152000 دولار في العام الماضي. وفي الصين، كان المعدل 48000 دولاراً فقط.

ومع الجهود الحثيثة الرامية الى تحسين آفاق التقنية في ميادين اخرى تمتعت الأتمتة بامكانية تحسين تنافسية الصين والحفاظ على نمو سريع، ومع تقدم القوة العاملة في السن ودخولها في مرحلة الانكماش لم تشعر المعامل المجهزة بالروبوتات بوطأة هذا التغير.

وعلى الرغم من ذلك، قد لا تكون تلك أنباء جيدة بالنسبة الى العمال، كما أنه بالنسبة الى الصين، كما هو الحال في كل مكان آخر، سوف تقلص الأتمتة على الأرجح دخل اولئك الذين لا يملكون سوى القليل من المهارة.

وتصنف الصين الى جانب البعض من الدول الإفريقية واللاتينية الأميركية ضمن الدول التي تشهد عدم المساواة والتباين، كما أنه استناداً الى معلومات صدرت عن دراسة تمويل العائلات في الصين فإن أغنى 10 في المئة من العائلات تشكل 50 في المئة من الدخل.

التباين العالي

ويمكن للتباين العالي – بدوره – أن يفضي الى اعاقة انتقال الصين نحو اقتصاد مدفوع بالاستهلاك، كما أن أغنياء الصين يعمدون الى توفير القدر الأكبر من دخلهم فيما توفر العائلات الفقيرة والبعض من عائلات الطبقة المتوسطة القليل فقط أو أنها لا توفر شيئاً على الاطلاق. ومع توجه توزيع الدخل بقدر أكبر نحو الأغنياء، فإن الأتمتة ترفع معدلات خطة التوفير العالية في الصين وتبدد مستويات استهلاكها المتدنية بشدة، وإذا حدث ذلك فإن المصدرين الآخرين للطلب - وهما الاستثمار والتصدير – سوف يصبحان أكثر أهمية بشكل واضح تماماً.

وبالنسبة الى الصين قد ينجح ذلك بصورة جيدة، كما أنه في جانب التصدير ومن خلال تحسين التنافسية قد تسمح الأتمتة للمعامل بالحفاظ على الأجزاء المتعلقة بالقيمة المضافة المتدنية في سلسلة الانتاج فيما تتقدم بصورة أوسع نحو مناطق القيمة الأعلى التي تهيمن عليها في الوقت الراهن اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. وفي ما يتعلق بالاستثمار سوف يعني التوفير العالي من قبل العائلات الغنية أن البنوك سوف تستمر في الحصول توفيرات كبيرة وكافية، وسوف يبقي الاستهلاك الضعيف معدلات التضخم معقولة ما يسمح للبنك المركزي بإبقاء معدلات الفائدة متدنية مع تدفق الائتمان.

وعلى أي حال، وبالنسبة الى بقية دول العالم تبدو الصورة أقل ايجابية، ثم إن استراتيجية الصين الصناعية سوف تقلص المزايا التنافسية المتبقية التي تتمتع بها الشركات الأميركية والألمانية واليابانية والكورية الجنوبية كما أن ذلك سوف يعرض للخطر وظائف المهارة العالية. ومع تأثير اللامساواة على قوة الانفاق لدى الطبقة المتوسطة في الصين فإن الزيادة المتوقعة في الطلب الصيني على السلع الأجنبية – وبالتالي على اليد العاملة الأجنبية – قد لا تتحقق على الاطلاق.

وفي سيناريو التشاؤم سوف تحافظ الروبوتات على نمو الصين ولكنها سوف توجه ضربة أكبر الى التوظيف في الغرب، وبعد كل شيء يعتبر الغذاء أحد الصادرات الأميركية الرئيسية الى الصين، وإذا سارت الأمور كما توقع ماكس تشو فلن يكون هناك من عمال لشراء تلك المادة.

ولا يزال من المحتمل أن تكون الفوائد (والتكلفة) المتعلقة بالأتمتة قد تعرضت لمبالغة، وأن تكون الروبوتات أقل احتمالاً بالنسبة الى الحلول محل البشر. ومن المحتمل أيضاً أن تعمد حكومة الصين الى تخفيف التأثيرات السلبية للأتمتة من خلال سياسات بعيدة النظر، وتطرح تجربة اليابان في الأتمتة أملاً يتمثل في أن زيادة الانتاجية والأجور للعمال من ذوي المهارة المتدنية قد خفضت في الواقع اللامساواة خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهكذا يصبح مستقبل الصين مختلفاً عما تصوره الجميع.

في 2016 ركّبت الصين وشغلت 87 ألف روبوت بزيادة نسبتها 27% عن 2015 وهو رقم قياسي

الرئيس الصيني زي جينبنغ دعا إلى ما يعرف باسم «ثورة الروبوتات»

مع تقدم القوة العاملة في السن ودخولها مرحلة الانكماش لم تشعر المعامل المجهزة بالروبوتات بوطأة هذا التغير

المدير العام لـ «أي ديودار» الناشئة قال إن شركته ستستمر في صنع روبوتات إلى أن يأتي وقت لن يوجد فيه عمال في المعامل
back to top