نقطة: حج الحجيج وكلهم له يلبون
عيدكم مبارك... مر موسم الحج بسلام هذا العام، ومعه تمر أعمارنا، من تشرّف بالحج وزيارة بيت الله الحرام نتمنى له أن تُقبل حجته ويعود نظيفاً كيوم ولدته أمه، ويعتبر ويتوب توبة حقيقية، فلا يعيد توسيخ سيرة حياته من جديد على حساب الآخرين، فإن لم يكن ذلك تأدباً وحياءً من الله تعالى، أو خوفاً من عقابه الأخروي، فعلى الأقل خجلاً من خلقه، حتى لا يحتاج أن يزعجهم بمطالباته في كل موسم ديني بإبراء ذمته.أما نحن، القاعدين عن الحج هذا العام وأعواماً أخرى، فقد تكون هذه فرصة مواتية لنا للتفكر والتأمل والتدبر في مناسك الحج وشعائره، وتجمع هذا الكم الهائل من البشر مختلفي الأعراق والأجناس، وتزاحمهم في سبيل "لبيك اللهم لبيك"، في مشهد تهفو له الروح وتتسامى، فنتمنى وندعو أن تستمر هذه الروح المنعتقة من دنس المصالح والتنافسات الدنيوية هي المسيطرة على عقول ونفوس المسلمين طوال العام، ولا يخلعوها مع الإحرامات البيضاء وانتهاء مواسمها، ونستخلص من فداء سيدنا إسماعيل بالكبش العظيم الحكمة، ونعصم دم الإنسان الذي أصبحنا نستسهل إهداره، وهو الأعظم حرمة عند الله من حرمة الكعبة ذاتها، التي نحج إليها ونستقبلها خمس مرات في اليوم. أما الفرقاء والأعداء الذين يتلاقون في رحاب مكة المكرمة، ولا يعرف بعضهم بعضاً، لكنهم يدعون ربهم أن ينصرهم بعضهم على بعض، في معارك لمصالح ناس لا يعرفونهم، فندعو لهم بالهداية والصلاح، من منازلنا، لعلهم يصلون لنتيجة من حجهم هذا؛ بأن المسلمين إخوة، والحساب عند الله، وليس عند أحد منهم، وأن القتال وإسالة دماء البشر محرمان بالأشهر الحرم وباقي أشهر السنة أيضاً، وفي كل مكان على وجه الأرض. أما حين نرى الحجيج وهم يرجمون الشيطان، فلا نستطيع إلا أن نسترجع سيرة تلامذته المتفوقين عليه بمراحل، ممن يعيشون بيننا ويرجموننا بشرورهم وفسادهم، ولا نستطيع دفعهم عنا ولو بكلمة، وهي أضعف الإيمان. وختاماً أذكر نفسي وإياكم والحجاج ومن لم يحج وجميع المسلمين من جاكرتا حتى نواكشوط، بأن الفسوق والجدال إن كانا مكروهين في أيام الحج، فهما كذلك في بقية الأيام العادية، فارحموا أنفسكم وارحمونا يرحمكم الله جميعاً... وكل عام وأنتم بخير.