تمتهنين الكتابة منذ وعيت الدنيا، فإلى أي مدى تعكس ذاتك؟

Ad

الكتابة بالنسبة إلي هي الظلّ الذي يرافقني أينما حللتُ، عاكساً انفجاراتي النفسية وفيضاناتي الداخلية وحالاتي المتقلّبة. أكتب أحياناً وأشعر بالكلمة تخرج مني كتيّار كهربائي، ويلبيني الحرف أحياناً، وفي مرات كثيرة تسقط الكلمات مني كقطع الجليد، مرهفة الأحاسيس ومرهَقة أيضاً.

في كتابك «وجهة نظر الفساد بين الدين والسياسة»، تحملين سيف النقمة على السائد والمعاش في المجتمع، ولكن أي حل تقترحين وأي أفق تقتحمين أمام القارئ ليلتمس قبساً من نور وسط هذا النفق المظلم نتيجة للواقع الأليم من حولنا؟

كان كتابي «وجهة نظر» مجرد انطلاقة على شكل نقمة وثورة، على المنطق اللامنطقي لواقع لاواقعيّ! وأنا أحضّر لوجهة نظر أخرى في جزئه الثاني، سأطلقه بعد إطلاق روايتي الجديدة، فيه ستكون الحلول بحجم أكثر تفصيلاً، ولكن لم يخلُ «وجهة نظر1» من الثقوب الصغيرة التي فسحت المجال لشعاع الحقيقة أن يشقّها لو قليلاً، ففي كلّ صرخة لي كانت أسئلتي الصارمة صادمة، وبالتالي هذا كفيل بأن يضع القارئ أمام واقعه، فإذا لم ينتفض سيكوّن على الأقل عالماً خيالياً أقل قساوة من الواقع وفي الحالتين سيلتمس هذا القبس من النور بشكل مباشر أو غير مباشر.

هل العالم الذي تتوقين إلى رسمه ينهل من المثالية حدوداً له أم يهدف إلى تغيير الواقع من دون الغرق في أوهام الكمال والسمو وإلى ما هنالك من تعابير تخرج عن نطاق المألوف؟

لا أطمح إلى عالم مثاليّ. المثالية كلمة ضخمة ونحن لا نخلو من الشوائب، ولكن ربّما أطمح من خلال ثورتي وانتفاضتي إلى شيء من المثالية، هذه المثالية التي تتجسد بالإنسانية ليس أكثر، أن نتحوّل إلى كائنات أكثر لطافة مما نحن عليه وأقل ضرراً على أنفسنا وعلى الآخر.

غضب وعبثية

لماذا العنوان «وجهة نظر»؟ هل لإعطاء دور للإنسان في ما يجري من حوله وليس الاكتفاء بتلّقي تأثيرات الأحداث؟

لي وجهة نظرٍ مختلفة عن وجهات نظر هذا العالم البائس، لذلك جاء كتاب «وجهة نظر» كَمعبَرٍ من ضفة «التابو» إلى ضفة الشفافية من خلال إلقاء ضوء على قضايا إنسانية واجتماعية كبيرة، حجبها الخوف والهروب والرياء عن عيون كثيرين، وإن لم أستطع بوجهة نظري تبيان الحقائق المغلّفة بالهرطقات لقارئ اليوم، سيكون «وجهة نظر» سلاحاً لجيلٍ مقبل، لربما يرتقي العالم يوماً ما من الوحشية إلى الإنسانية.

متى تمتشقين قلمك لكتابة الشعر؟ هل تحفزك حالة معيّنة أم تختارين بنفسك وقتاً معيّناً للكتابة؟

لا أعدّ نفسي شاعرة، أنا مجرد قارئة، ولكنني حالة من التقلّبات، حالةٌ لا تخرج من نفسها إلا على الورقة، فأجدني أمتشق قلمي لأفجر أحزاني وغضبي وضعفي وأيضاً تمرّدي وعبثيتي، وقليلةٌ لا بل نادرة هي الحالات التي أكتب فيها حين أكون سعيدة، إلاّ إذا كانت سعادتي مصدرها ابتسامة حزين أو فرحة قرأتها في عينيّ طفلٍ محروم.

هل الشعر بالنسبة إليك بوح مشاعر أم يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك وتحميله قضايا تواجه المجتمع والإنسان؟

ما فائدة الشعر إذا كان فارغ المعنى والمضمون؟ برأيي، قضايا الإنسان هي أسمى القضايا التي يمكن تجسيدها على الورق من خلال الكتابة شعراً أو نثراً.

حالة شعرية

هل تؤيدين تصنيف القصيدة بأنها شعر حر أو شعر موزون مثلاً، وهل يؤثر هذا التصنيف في بنائها؟

الشعر الموزون شعر دقيق جداً له أصوله ووزنه وخصائصه، بعكس الشعر الحر، الذي يفسح في المجال أكثر للتعبير من دون الالتزام بقوانين القافية والوزن. ثمة شعراء يميلون إلى القصيدة الموزونة، أما أنا فأفضّل الشعر الحر لأني أفصح، من خلاله، عن كل ما يختلجني فأرفع صوتي لقضايا الإنسان بكامل حرية.

برأيك هل تحتاج الحالة الشعريّة إلى هيكل معيّن لتتمظهر أم تأتي هكذا بعفوية أي تسيّر هي قلم الشاعر وليس العكس؟

كلّما خلت الكلمات من التصنّع والتكلّف كانت القضايا أنظف وأرقى وأروع وأصدق، لذلك أرفض أن أرصف الكلمات لإرضاء الرأي العام ولتتماشى مع الجو الطاغي، بل أذهب مع أحاسيسي وقناعاتي إلى أبعد حدود، لذا كان مصير «وجهة نظر» الرفض أكثر من القبول وهذا يفرحني جداً.

أنت في صدد التحضير لرواية جديدة فهل تعكس ذاتك التي برزت في الشعر أم تعتمدين فيها ذاتاً أخرى مغايرة؟

إنها قضية ضخمة لم أتناولها سابقاً، لذلك فأنا ذات مغايرة لتلك التي برزت في الشعر وفي «وجهة نظر». إنها حالة من حالاتي الغاضبة، لكن بأسلوب جديد وممتع وبإحساس أكتشفه للمرة الأولى من خلال الرواية.

هل تؤمنين بأن الكلمة سواء الشعرية أو الروائية في قدرتها اختراق المجتمع وتناقضاته وإحداث تغيير فيه؟

أفضل ما فعلته الجامعات أنها أدخلت «علم الكلام» إلى كثير من اختصاصاتها، فالكلمة هي الوحيدة القادرة على اختراق المعايير والمبادئ والأفكار وقلب مجتمع بأكمله، بغض النظر عما إذا كانت شعرية أو لا.

أخيراً، هل يمكن اختصار نتاجك بأنه مجبول بالثورة والتمرد والرفض وأن في داخلك بركاناً ينتظر لحظة ما لينفجر؟

ولدت ثائرة، لأني ولدت حرة، وحدهم الثائرون أحراراً، لذلك أنفجر كل لحظة مع كل جائعٍ وكل مشرد وكل طفل قتلت أحلامه، في داخلي عالم آمن مليء بالحب والسلام وبراكيني هي مجرد غضب أرميه أمام هذا العالم النائم على وسائده الذهبية لربما يستفيق من غيبوبته.

مستقبل الشعر والرواية

حول رؤيتها لمستقبل الشعر والرواية وهل ستقضي عليهما الثورة التكنولوجية والرقمية وهل سنشهد زوال الكتاب الورقي، توضح الشاعرة مريم فاهمي: «للأسف، لا أرى أي مستقبل للشعر، في زمن كثر فيه الشعراء وقلّ فيه الشعر، كثر فيه المتكلمون وماتت الكلمة، التكنولوجيا جعلت من العقول آلات وحوّلت المعنى إلى ابتذال، أعتقد أن بعد سبع سنوات لن نجد ورقة لنكتب وستصبح الكتب هياكل عظمية في مقبرة الأرقام، ماذا تتوقعون من مجتمع ألغى البرامج الدراسية التي تعتمد الكتب وأبدلها بالـ{أي باد»؟