رواية الغريب للكاتب الفرنسي ألبير كامو نال بفضلها جائزة نوبل، رغم أنها كانت روايته الأولى، وحصل عليها في منتصف العشرينيات من عمره، ومضى على زمن كتابتها 75 سنة، ولا أدري كم بقي من فلسفة العدمية والعبثية واللامبالاة في زمننا هذا؟ حينما أهداني الرواية الصديق يوسف القعيد في فبراير 2017 قلت له: الرواية قرأتها منذ زمن طويل، لا أريد أن أزيد حمولتي من الكتب، لكنه أصر على أن آخذها، وطلب مني إعادة قراءتها، وبالفعل أعدت قراءتها لأكتشف مدى الاختلافات في فهمي واستيعابي لها بعد سنوات الاختمار والنضج التي وصلت إليها.
حقيقة الرواية تثير أسئلة كثيرة، خصوصا بعد مرور زمن طويل على صدورها، تغيرت فيه كل المفاهيم والمعايير السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأخلاقية، وسعت من انتشارها وتأثيرها الواسع في زمنها، بحيث كان وقتها الإيمان والاعتقاد بالعدمية التي ساعدت نهاية الحرب العالمية الثانية على تكريسها بين الشبيبة وفنون ذاك الوقت من موسيقى ورسم ومسرح والسينما وغيرها، حتى باتت سمة وعنوانا لعصرها بكل ما أنتجه هذا العصر من معطيات.لكن بمطابقتها بيومنا هذا بعد 75 سنة، ودخولنا في قرن جديد بكل ما فيه من تحولات جذرية، خلعت كل المفاهيم القديمة التي ولت مع انتهاء مد موجها، وبعد زمن سلام واستقرار طويل مهد لتنامي المال والاقتصاد بشكل متوحش بيد الإمبراطوريات العظمى التي زادت الاستهلاك الفردي بشكل رهيب، ونمت نزعة الروح الفردية الاستهلاكية الباحثة عن متعتها وتملكها واستهلاكها اللامحدود بسقف محدد، طالما هناك نمو لاقتصاد متوحش كل همه زيادة الربح المرتبط برفع سقف الإدمان الاستهلاكي بلا توقف، وبتعظيم الروح الفردية وصورة أنآها المتضخمة بنزعة الامتلاك، وما هي عليه وكيف يراها الآخر، ومن هنا اختلفت وتلاشت الروح العدمية التي بلا هدف ولا مبالاة، اتسم بها وقت ألبير كامي، وهو من مؤسسي فلسفة العدمية.ألبير كامو 1913 - 1960 فيلسوف وجودي وكاتب مسرحي وروائي، ولد في الجزائر من أم إسبانية وأب فرنسي، عاش في عالم عبثي بلا هدف، حتى إن حادثة موته كانت عبثية حين توفي إثر حادث تصادم بالسيارة خلال سفره، عن عمر 46 عاما، وعثر بجيبه على تذكرة سفر بالقطار. ما كتبه في رواية الغريب فيه الكثير من تفاصيل حياته، خاصة رسم صورة الأم التي تشبه واقعه وحياته مع أمه الخرساء قليلة التواصل بالكلام، الرواية تحكي عن شاب تموت أمه في دار رعاية المسنين، ويذهب لعمل إجراءات دفنها دون أدنى مشاعر بالحزن أو بالاكتراث بها، وبعد الدفن يعود إلى بيته ويلتقي مصادفة بصديقة له، ويذهب معها إلى البحر وبعدها إلى السينما، ويمارس حياته بشكل طبيعي روتيني بلا أي هدف أو اهتمام بأي شيء كان، لا مبالاته تنعكس على كل تصرفاته وكل علاقاته ليس له من ورائها أي هدف واضح، تتساوى الأمور كلها عنده سيان ليس لها أي أهمية تذكر، حتى انه يقتل رجلا عدو صديق له بلا أي سبب يدعو إلى ذلك، سوى أن الجو كان حارا والشمس تضرب في عينه أشعتها والعرق يتفصد منه، والرجل تحسس بيده سكينه، مشهد في قمة العبثية، وهذا مقتطف يصفه: "سال العرق المتجمع فوق حاجبي بغتة على جفني وغطاهما بغلالة دافئة كثيفة، عشيت عيناي خلف ستارة الملح والدموع هذه. لم اعد أشعر سوى بصنوج الشمس تدق على جبهتي، وبصورة غامضة، بالسيف المتوهج اللامع المنبثق من السكين المشرعة في مواجهتي. كان ذلك السيف الحارق يقضم أهدابي ويثقب عيني المتألمتين. وقتها تراقص كل شيء أمام عيني. ألقى البحر بزفرة حارة وعميقة. خيل إلي أن السماء تنفتح بكل اتساعها ليهطل منها مطر النار. توتر كياني وانقبضت كفي على المسدس. استجاب الزناد، ولمست بطن قبضة المسدس المصقولة، وهنا، في قلب القعقعة الخاطفة والمكتومة في نفس الوقت، بدأ كل شيء. نفضت عن نفسي الشمس والعرق. أدركت أنني قد دمرت توازن النهار، والسكون الرائع لشاطئ كنت سعيدا فيه. آنئذ، أطلقت من جديد أربع رصاصات على جسد هامد".تنتهي الرواية بالحكم عليه بالإعدام بسبب عدم اكتراثه ولا مبالاته في الشرح والتبرير، وإعطاء توضيحات أو مبررات لتصرفاته وأسباب سلوكه الغريب مع الجميع.
توابل - ثقافات
الغريب
04-09-2017