رياح وأوتاد: هل يمكن إصلاح سلم الرواتب؟
قرأنا يوم الثلاثاء الماضي في الصفحة الأولى للزميلة "الأنباء" خبراً يقول إن نوابا قدموا اقتراحات بقوانين من أجل مساواة أعضاء هيئة التدريس في الجامعة والتطبيقي بنظرائهم في التربية والأوقاف.ولدى مراجعتي لبعض الإخوة في الجامعة أكدوا أن بعض بدلات مدرسي التربية والأوقاف أصبحت تفوق الآن بدلات الجامعة، بعد إقرار الكوادر المتلاحقة لهم، لذلك فإن مطالبتهم ستستمر، ولا شك عندي أنه بعد مطالبتهم هذه ستأتي مطالبات القضاة والأطباء والصيادلة والمحاسبين، وهكذا حتى تكتمل الدائرة، فتعود إلى نقطة البداية من جديد التي قد تكون بمطالبة جديدة للتربية أو الجامعة أو الأطباء أو غيرهم، وهكذا يبدأ دوران الدائرة في كل مرة حسب شطارة وحجم الموظفين في كل مهنة. كل الدراسات التي قدمت تثبت أن حالة الرواتب في الكويت مزرية وأنها في فوضى تامة ويجب إصلاحها فورا، ومنها دراسة قمنا بها في اللجنة المالية لمجلس الأمة، والتي كانت نتائجها صادمة، فقد بينت أن متوسط الرواتب في مؤسسة البترول يزيد على 4800 دينار شهريا، ويليها ديوان المحاسبة ومجلس الأمة وهيئة الاستثمار، أما متوسط الرواتب في وزارات الحكومة فهو 800 دينار فقط، وذلك قبل إنشاء هيئة أسواق المال التي تحتل رواتبها مكانة عالية في هذا الهرم.
هذا التفاوت الذي يشمل حتى أصحاب التخصص والدراسة الواحدة أدى إلى ضيق وتبرم مستمرين، وإلى موجات عشوائية متلاحقة من طلبات الزيادة، مما حمل المخلصين والمتخصصين إلى الدعوة إلى إعادة النظر في سلم الرواتب في الحكومة، وبدأ يظهر تعبير "البديل الاستراتيجي" في البداية في مجلس الأمة عام 2009، ثم كلفت الحكومة إحدى شركاتها لدراسته بهدف تحقيق المساواة بين أصحاب التخصص الواحد، وكذلك إدارة سلم الرواتب مستقبلا على أسس موضوعية، بحيث يكون التفاوت بين أصحاب التخصص الواحد مبنياً على الحاجة أو ندرة العمل وطبيعته، وطول الدوام، ودرجة الخطورة فيه، والبعد في ميدان العمل وغيرها من الشروط التي تحددها العلاوات المرافقة للراتب حسب طبيعة العمل الفعلية لا الراتب الأساسي نفسه. وجاء في الدراسة أيضا أن الرواتب القديمة المرتفعة لن تتأثر بالنظام الجديد إلى أن يتم تقاعد أصحابها، حيث سيطبق النظام الجديد على التعيينات الجديدة كما ستزداد الرواتب المتدنية حاليا، ورفعت الدراسة إلى مجلس التخطيط الذي رأى إجراء بعض التعديلات عليها.وتم تقديم هذه الدراسة والقانون المنظم لها إلى مجلس الأمة، ولكن الحكومة لم تعرها الاهتمام المناسب وكذلك مجلس الأمة، فوضعت في الأدراج مثلها مثل الدراسات الضرورية الكثيرة السابقة ولم تنفذ، وبدأت عجلة الكوادر تدور من جديد لأناس دون آخرين، واستمر التفاوت المجحف حاليا والمطالبات الجديدة المترتبة عليه. أعتقد أن وضع بديل لسلم الرواتب في الحكومة ومؤسساتها يحقق المعايير السابقة أصبح أمرا في غاية الأهمية والضرورة، وبإمكان الحكومة والمجلس إجراء التعديلات العلمية المناسبة على الدراسة المقدمة ليس لإنقاذ أكبر قطاع وظيفي فحسب، إنما لإنقاذ آلية سوق العمل بأكمله في البلاد.