أحمد شوقي/ حديث متجدد (2)
![د. نجمة إدريس](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1511191571908366400/1511191591000/1280x960.jpg)
وإلى جانب هذا الوضع العائلي والاجتماعي الشديد الرصانة والمتخم باللياقات والبروتوكولات في العلاقات والسلوك، هناك حائط لا يقل عن هذا صلابة ومنعة، كان على شوقي مواجهته ومجاراته، وهو حائط الخطاب الشعري المطروح حينذاك، والذي كان لا يزال يؤسس لقيم الإحياء والبعث، وإعادة قراءة واكتشاف تاريخ التراث الشعري والنسج على منواله، في محاولة لتجاوز عصور الوهن والانحطاط الذي ران على الشعر العربي في قرونه المتأخرة، وحتى قبيل عصر البارودي في القرن التاسع عشر. وقد كان قدر أحمد شوقي أن يولد في الربع الأخير من القرن التاسع عشر عام 1868، ليجد نفسه مدفوعاً، لا محالة بحكم استعداده وقدراته، إلى تكملة مسيرة الإحياء، وهي الأطروحة الأكثر زخماً وحضوراً وقتئذ.كل هذه العوامل الضاغطة لعبت دوراً مهماً – ولا شك – في وضع شوقي داخل إطار الشاعر الإحيائي الكلاسيكي المقلِّد، رغم كل ما قيل عن تجديداته أو مسايرته للموضوعات ذات الصلة بمتغيرات العصر المادية وأحداثه التاريخية وتقلباته السياسية. هذه العوامل مجتمعة شكَّلت الجانب الأول من شخصية شوقي، كما أسلفنا، وهي شخصية الشاعر المهادن، المستسلم لشروط حياته وخطاب عصره الشعري. وإلى جانب هذا الشق من شخصية شوقي، هناك الشق الآخر المختلف والمناقض لهذه الصورة، وهو جانب الإنسان الذي سمحت له الظروف في مقتبل العمر، وما بين عشرينياته وثلاثينياته، أن يخرج من أسر البيئة والوسط والخطاب الثقافي عامةً، نحو عالم متفتق بالجدة في كل ما يخص الفن والأدب والنقد وطروحات الفكر والفلسفة، وذلك حين انطلق شوقي نحو فرنسا وعاش فيها سنوات من أخصب سنوات العمر وأكثرها عنفواناً، وأقدرها على كسر القيود والموانع. يُضاف إلى ذلك، أن شوقي ارتحل إلى فرنسا، طلباً للعلم والسياحة معاً، وهذا يعني المزج بين جدية العلم ومنهجيته ورسوخه، وبين حرية التطلع والتأثر، وانطلاقة الوجدان وفرح الدهشة والاكتشاف، إضافة إلى ما انطوت عليه شخصية الشاعر في الأصل من موهبة واستعداد فطريين، كما يتضح في سيرته.