تحسين صنع القرار في عالم خطير

نشر في 06-09-2017
آخر تحديث 06-09-2017 | 00:07
يعتبر إيجاد الوقت والمساحة اللازمين لإعادة شحن طاقاتك واستجماع قواك والتأمل من الأمور الأساسية حتى يعمل البشر على النحو الأمثل، وهذه ليست علة النظام البشري، بل هي ميزة قوية يجب على القادة اليوم أن يستخدموها إلى أقصى حد.
 بروجيكت سنديكيت لقد وصلت الولايات المتحدة والصين إلى لحظة محفوفة بالمخاطر في علاقتهما وسيكون ضمان التوصل إلى نتيجة سلمية أكبر تحد جيوسياسي في القرن الحادي والعشرين فهل لدى قادتنا القدرة على التصدي لذلك التحدي؟

إن المخاطر تتصاعد كما تبدو الأمور اليوم، فقد فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات اقتصادية على الكيانات الصينية التي لها علاقات مالية مع كوريا الشمالية، لأنها لا تعتقد أن الصين قامت بما فيه الكفاية بتقييد نظام كوريا الشمالية، وكما قال ترامب بصراحة، إذا كان الصينيون لا يستطيعون التصدي لكوريا الشمالية، فهو سيقوم بذلك وقد هدد ترامب كوريا الشمالية مع اقترابها من تطوير صاروخ برأس نووي يمكن أن يصيب الولايات المتحدة «بالنار والغضب» كما لم يشهده العالم من قبل.

ترفض الصين من جانبها ما وصفته وزارة الخارجية «بنظرية المسؤولية الصينية» فيما يتعلق بكوريا الشمالية، ولقد أكدت افتتاحية نشرت أخيرا في صحيفة صينية تديرها الدولة بأن الصين ستبقى على الحياد إذا ما هاجمت كوريا الشمالية أولا، إلا أن أي ضربات أميركية تهدف إلى تغيير النظام ستدفع الصين للتدخل كما رد الصينيون بشراسة على مرور سفينة حربية تابعة للبحرية الأميركية من خلال المياه المتنازع عليها فى بحر الصين الجنوبي الشهر الماضي وهي الخطوة التى وصفتها وزارة الخارجية بـ»الاستفزاز» الذي «يقوض بشدة سيادة الصين وأمنها».

وفي حين أن هذه القضايا حديثة، فإن الديناميكية السياسية الكامنة ليست جديدة، لقد وصف المؤرخ ثوسيديدس صراعا مماثلا على السلطة في اليونان الكلاسيكية بأن «صعود أثينا والخوف الذي زرعه ذلك لدى سبارطة هو الذي جعل الحرب حتمية».

لقد ظهر على مر العصور ما يسمى بمصيدة ثوسيديدس مرارا وتكرارا مما أدى إلى تأجيج التوترات بين القوى الصاعدة والقوى الحاكمة التي تسببت في جعل أحداث كان من الممكن السيطرة عليها تؤدي إلى أفعال وردود أفعال انتهت بحروب مدمرة، وعلى مدى السنوات الـ500 الماضية، في 16 حالة هددت فيها قوة صاعدة بإزاحة سلطة حاكمة نتج عن ذلك نشوب حرب في 12 حالة منها، يجب أن تدرك الولايات المتحدة والصين بأن بقاء الأمور على ما هي عليه قد يؤدي إلى أن يعيد التاريخ نفسه.

يقدم التاريخ الى جانب التحذيرات المروعة مفاتيح بناءة لتجنب الصراع، ومنها التفكير في المعضلة التي كان يبدو أنه لا يمكن التغلب عليها والتي واجهها الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1940 عندما كانت المملكة المتحدة تحت ضغط شديد في معركتها ضد ألمانيا النازية، وبدأت تنخفض إمداداتها وأموالها، ولكن روزفلت كان يعلم أن الكونغرس الأميركي لن يقرض ببساطة بريطانيا المال الذي تحتاجه.

لقد كانت مشكلة روزفلت «تبدو عصية على الحل»، كما كتبت المؤرخة دوريس كيرنز غودوين في كتابها «زمن غير عادي»، ولكن روزفلت فعل شيئا يبدو مستحيلا في المناخ السياسي اليوم، حيث أخذ استراحة لمدة عشرة أيام على متن سفينة تابعة للبحرية الأميركية وأعطى هذا المأزق التفكير الذي يستحقه.

وقد أثارت أيضا في بداية الأمر فكرة الرئيس الأميركي بالهروب من العالم في تلك الفترة الحرجة انتقادات، وقال هاري هوبكنز مساعد روزفلت «لم أكن أعرف لفترة بماذا كان يفكر، إذا افترضنا أنه كان يفكر بشيء»، وقال لاحقا «ولكن بعد ذلك بدأت بإدراك فكرة أنه كان يستجمع قواه، وهي الطريقة التي غالبا ما يلجأ إليها عندما كان يبدو أنه يستريح ليكون خاليا من الهم، لذلك لم أسأله أي أسئلة ومن ثم خرج في إحدى الأمسيات ومعه البرنامج كاملا».

لقد كان هوبكنز يشير الى البرنامج الرائد الذي تصل قيمته إلى 50 مليار دولار أميركي والمتعلق بقانون الإقراض والتأجير، والذي أصبح الوسيلة الرئيسة التي من خلالها قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية للدول الأجنبية خلال الحرب العالمية الثانية، ويمكن للرئيس من خلال هذا البرنامج نقل مواد الدفاع التي خصص لها الكونغرس الأميركي الأموال لحكومة أي دولة يعتبر الدفاع فيها أمرا حيويا بالنسبة إلى الأمن الأميركي دون الحاجة إلى التعويض.

يتعرض القادة اليوم لضغوط غير عادية لتطبيق مهارات مماثلة في كيفية صنع القرار على مجموعة من التحديات الصعبة، فإلى جانب زيادة التوترات بين الصين والولايات المتحدة، يجب أن يواجهوا تصعيد روسيا المتزايد واستمرار عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وشبح تغير المناخ الكارثي، فكم شخصا لديه الشجاعة للتعلم من نهج روزفلت؟

يصعب تصور أن ترامب يمكنه اتباع خطى فرانكلين روزفلت، ولكن القول بأن الطريق الأقرب لاتخاذ قرارات كارثية محتملة يبدأ بعقل متعب وغير منضبط لا على أساس حزبي.

لقد أدركت الفلسفة الرواقية ذلك، فقد واجه ماركوس أوريليوس خلال 19 عاما قضاها كإمبراطور روما حربا مستمرة تقريبا ووباء مروعا ومحاولة انقلاب، ولكن بدلا من مهاجمة أولئك الذين يفترض أنهم كانوا ضده، فقد سأل أوريليوس نفسه بهدوء «هل ما حدث يمنعك من العمل بالعدل والكرم وضبط النفس والعقل والحكمة والصدق والتواضع والتسامح وجميع الصفات الأخرى التي تسمح لطبيعة الشخص بأن تحقق ذاتها؟».

تقدم الحكمة الصينية وجهة نظر أخرى مفيدة، حيث إن الفلسفة الطاوية تعتمد على الفكرة التي يمكن ترجمتها حرفيا بأنها «عدم العمل»، ولكنها في الحقيقة أكثر بكثير من ذلك، ففي الفلسفة الطاوية، عندما نكون في حالة من الانسجام والاتصال مع أنفسنا، نحن نعمل من غير جهد وبطريقة بدهية وعفوية.

وعندما كان بيل كلينتون يسترجع ذكريات فترة رئاسته اعترف بمخاطر الإرهاق الشديد، حيث قال إن «كل خطأ مهم قمت به في حياتي، ارتكبته لأنني كنت متعبا جدا». وقام ديفيد جيرغن في كتابه «شاهد عيان على السلطة»، بتفصيل تكلفة عادات كلينتون غير المنضبطة في الاستراحة خلال الفترة الأولى من رئاسته، وكتب ديفيد جيرغن «كان كلينتون لا يزال يحتفل بالانتصار وكان يحب البقاء مستيقظا حتى ساعة متأخرة من الليل للضحك والتحدث مع الأصدقاء القدامى». وقد كان لهذا تأثير واضح على الرئيس، الذي وفقا لجيرغن، «كان يبدو منهكا ومنتفخا ومتوترا»، فضلا عن ذلك فقد كان «منحرف المزاج ويتشتت ذهنه بسهولة وقليل الصبر».

يعتبر إيجاد الوقت والمساحة اللازمين لإعادة شحن طاقاتك واستجماع قواك والتأمل من الأمور الأساسية حتى يعمل البشر على النحو الأمثل، وهذه ليست علة النظام البشري، بل هي ميزة قوية يجب على القادة اليوم أن يستخدموها إلى أقصى حد.

* غراهام أليسون و أريانا هافينغتون

* غراهام أليسون هو أستاذ الإدارة الحكومية والمدير السابق لمركز بيلفر في كلية هارفارد كينيدي للعلوم والشؤون الدولية، وهو مؤلف كتاب متجه إلى الحرب: هل يمكن لأميركا والصين الهروب من مصيدة ثوسيديدس؟ وأريانا هافينغتون هي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة ثريف العالمية ومؤلفة كتاب «ثورة النوم».

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top