بعد مسيرة حاشدة نظمتها في مدينة تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا جماعات تعتنق مبدأ تفوق الجنس الأبيض، والتي أسفرت عن مقتل الناشطة المناهضة للفاشية هيذر هير وإصابة كثيرين آخرين، بادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب جهارا إلى إلقاء المسؤولية عن العنف على «كلا الجانبين»، وبالمساواة بين النازيين الجدد وأولئك الذين وقفوا ضدهم، زاد ترامب من تلطيخ رئاسته، ومن خلال وصف بعض المشاركين في مسيرة تشارلوتسفيل بأنهم «أشخاص في غاية الرقي»، أعطى ترامب إيماءة الموافقة للمتعصبين من اليمين المتطرف في مختلف أنحاء العالَم.

بعد بضعة أسابيع، وحينما كان إعصار هارفي يضرب ولاية تكساس، أصدر ترامب قرارا بالعفو عن جو أربايو، عمدة مقاطعة ماريكوبا في ولاية أريزونا سابقا، وكان أربايو دين بتهمة إهانة المحكمة في يوليو بعد أن تحدى أمر القاضي الفدرالي بوقف التنميط العنصري للمنتمين إلى أميركا اللاتينية، بيد أن ترامب يرى أن أربايو «دين لأنه كان يؤدي مهام عمله».

Ad

ذات يوم، تباهى أربايو بأن السجن المفتوح الذي كان يحتجز فيه المهاجرين غير الموثقين أشبه بمعسكر اعتقال، وهو الآن يقود أنصار حزب الشاي وغيرهم من أتباع الحركات اليمينية المتطرفة الكارهة للأجانب التي احتشدت خلف ترامب في انتخابات العام المنصرم. وبالعفو عن أربايو احتضن ترامب ضمنا دعاة تفوق الجنس الأبيض وكارهي الأجانب في مختلف أنحاء العالم مرة أخرى.

من المؤسف أن العديد من حلفاء ترامب في الحزب الجمهوري لم يُعرِبوا حتى عن دهشتهم في الرد على أحدث كلمات وتصرفات ترامب، ووفقا لاستطلاع آراء أجرته وكالة أنباء إيه بي سي مؤخرا، رأى 9% من المستجيبين- ما يعادل نحو 22 مليون أميركي- أن «من المقبول أن يعتنق المرء أفكار النازيين الجدد أو دُعاة تفوق الجنس الأبيض».

وهي نتيجة صادمة حقا، ولكن الأمر لا يقتصر على الولايات المتحدة، فأوروبا أيضا تشهد ارتفاعا مثيرا للقلق للعنصرية، والنزعة القومية، ومعاداة السامية، وكراهية الأجانب، ففي استطلاع حديث للرأي أجري بواسطة تشاثام هاوس، وافق 55% من المستجيبين الأوروبيين على «ضرورة وقف أي هجرة أخرى من الدول الإسلامية في الأساس». وهذه أعلى من نسبة الأميركيين (48%) الذين أيدوا في فبراير أمر ترامب التنفيذي بمنع السفر من سبع دول ذات أغلبية مسلمة.

لقد آن الأوان أن يُلقي الأوروبيون الذين يفضلون اعتبار الدعوة إلى تفوق الجنس الأبيض ظاهرة أميركية نظرة على أفنيتهم الخلفية، فمنذ انتخاب ترامب في الولايات المتحدة والاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بدأ خطاب الكراهية والجرائم ضد الأقليات العِرقية والرعايا الأجانب تتخذ طابع المألوف في العديد من الدول الغربية.

الأمر الأكثر إثارة للانزعاج الشديد أن التعصب ربما أصبح في ارتفاع بين الشباب، إذ يشير تقرير صادر عن مجلة تي إي إس البريطانية إلى أن «جرائم وحوادث الكراهية في المدارس البريطانية» ازدادت بنحو 48% في فصلي الصيف والخريف من عام 2016، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وكما يلاحظ التقرير، يتزامن هذا على وجه التحديد مع استفتاء الخروج البريطاني وانتخاب ترامب.

في المشهد المعلوماتي اليوم، أصبحت وسائط الإعلام الاجتماعية الوسيلة الأساسية لنشر الكراهية، وأصبحت أكبر منصات الوسائط الاجتماعية الآن خلايا مضيفة لعدد لا يحصى من الحسابات الزائفة والمجهلة الهوية التي تنضح برسائل كراهية الأجانب والنعرة القومية والعنصرية، وتلوث هذه الحسابات وسطا يتمتع به العديد من الشباب، كما تُعَرِّض عقولا حساسة سريعة التأثر لأباطيل بالغة الخطورة ونظريات المؤامرة. وفي كثير من الأحيان تُدار هذه الحسابات دون خوف من عقاب من أقزام برعاية روسية في مقدونيا وأماكن أخرى في أوروبا الشرقية.

ولكن ليس أقزام الإنترنت فقط هم الذين يعملون على تمكين الناس من تبني النزعات العنصرية ومعادة السامية وكراهية المثليين، فالعديد من قادة العالم وصناع الرأي البارزين أيضا يمارسون الأمر نفسه، ورغم أن القادة الأوروبيين الرئيسيين أدانوا بوضوح العنف في تشارلوتسفيل واستجابة ترامب له، فإنهم في احتياج إلى بذل المزيد من الجهد، والآن أكثر من أي وقت مضى، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يُثبِت التزامه بإعلاء قيم المساواة والتسامح الأساسية.

الواقع أن التحركات الحالية لحكومات دول مثل المجر وبولندا لتقويض المؤسسات الديمقراطية عمدا في تلك الدول لا بد أن تكون دليلا كافيا على أننا لا يمكننا اعتبار الحرية، والتحرر، وسيادة القانون من الأمور المسلم بها، فقد استغرق بناء المؤسسات الديمقراطية في أوروبا الوسطى والشرقية سنوات عديدة، ولكن لم يتطلب الأمر سوى بضعة انتخابات برلمانية لعكس اتجاه ذلك التقدم، ومن أجل الديمقراطية الأوروبية يتعين على الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي أن تقوم بتحرك جماعي الآن لمعاقبة هذه الحكومات المتزايدة الاستبداد على تجاوزاتها.

بعد زيادة حوادث معاداة السامية في عام 2004، عندما كنت رئيسا لوزراء بلجيكا، أطلقت مبادرة لتذكير الشباب بتكاليف الحرب العالمية الثانية، ومن خلال دروس التاريخ كان الطلاب البلجيكيون يتعرفون على الآثار والعواقب السلبية المترتبة على أيديولوجيات بعينها.

مع تصاعد الكراهية اليوم مرة أخرى يتعين علينا أن نتذكر أن التعليم عنصر حاسم في الكفاح ضد الاستبداد، الذي قد يزدهر على شعور الأجيال بالرضا عن الذات، ولضمان الغَلَبة للقيم الديمقراطية يتعين علينا أن نشجع الناس على التأمل في دروس الماضي، عندما ارتُكِبَت انتهاكات شنيعة ضد الملايين من البشر.

نحن مدينون لكل هؤلاء الذين عانوا في ظل أنظمة الماضي الاستبدادية بالنهوض الآن ومناصرة القيم الديمقراطية. وبوسعنا أن نبدأ، كما فعلت هيذر هير، بمقاومة الشعبويين اليمينيين الذين يحرضون علانية على الكراهية في مختلف أنحاء الغرب.

* جاي فيرهوفستات

* رئيس وزراء بلجيكا الأسبق، ورئيس مجموعة تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا في البرلمان الأوروبي.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»