إن محاولة إقناع شخص آخر بوجود جمال ما في عمل ما، وإصراره على ألا يرى، هل هي محاولة منا لهداية ذلك الشخص للطريق المستقيم لقلبك، أم انها رد فعل غريزي لحماية "قطعة" الجمال فينا من قبحه؟!

من لا يرى الجمال في شيء ما، سواء كان هذا الشيء ذا قيمة مادية أو معنوية، ويصر على ألا يراه، فإن من يرشده هو في الحقيقة لا يغير من قيمة ذلك الشيء في واقعه، وفي ذات الوقت يحرم ذاته من أن تغتسل من درن الحياة بماء الجمال كلما أتيح لها حتى لا يلتهمها العفن. فلك أن تتخيل حال أولئك الذين يدافعون بكل حدة أظافرهم لحماية عفن ذواتهم من الماء، إما لسوداوية في قناعاتهم تمنطق "البشاعة" في الحياة وتسوّقها بأدب وفن، أو أولئك الذين في الحقيقة هم ليسوا معترضين في قرارة أنفسهم على جمال ما تراه جميلا، لكنهم معترضون على النافذة التي رأوا منها الجمال، وليس على الجمال نفسه، وهذه الشريحة تضم أولئك الذين يصرون على عدم رؤية ما ترى من جمال فقط، رفضاً لشخصك، كما تضم أولئك الذين لا يريدون أن يروا ليس لشخصك، لكن للأسلوب الذي اتخذته لإيصال ذلك الجمال لهم!

Ad

في ذلك الخليط الذي يقود الحرب على كل ما تقول أو تفعل أو ترى من جمال من يهدد أمن جمالك، ومنهم من هو مسكين ضال عن سبيل التطهّر بالجمال ويستحق أن تهديه، ومنهم من لا يستحق حتى نزف جمالك معه!

الذي يصر على ألا يرى جمالا، لقناعته الراسخة بأنه ليس في الحياة ما يستحق أن يشغل القلب بجماله، يستحق المساعدة، لكن بحذر شديد، وألاّ نتمسك حتى النهاية بيده، لأنه قد يجذبنا فجأة إلى مستنقعه، فالأفضل، إن كان مصراً، أن يبقى في عزلة قبحه وحده، حتى لا يؤذي ما نظنه جمالا فينا ويشوهه بفكره، ولنستمتع نحن بما أهدته لنا الحياة من ينابيع وجداول وبحيرات صغيرة وأنهار تغتسل فيها أرواحنا، وواحات جمال في التفاصيل اليومية تهتدي إليها قلوبنا، فتسكن إليها خلال مسيرة لهاثها، وليحرموا أنفسهم متعة هذه الهدايا. أما من لا يكتفي بألا يرى الجمال، وإنما يتجاوز ذلك بأن يقنعك ببشاعة ذلك الجمال، فهذا خطر مبين على الروح. هؤلاء هم سارقو القناديل من قلوبنا، والذين لن يرتاح سوؤهم حتى ينزع ملابس العطر من غصون بهجتنا ويلبسها ثياباً من الشوك. إن مجرد التفكير في محاولة هداية هؤلاء أو محاولة تغيير نواياهم مغامرة محفوفة بالسقوط في هاوية الظلمة، والنجاة من ذلك الفخ معجزة. كل ما تحتاجه مع هؤلاء، أن تكون شديد الفطنة، حتى لا يغتالوا الشموس في قلبك، ويقتنصوا النجوم في سمائه، هؤلاء أعداء جمالك الواجب اتقاء قبحهم!

أما الذين جسّدوا حرمانهم من متعة الجمال، بسبب مشاعرهم السوداء ضدك، فهم ليسوا أعداءك، إنما أعداء أنفسهم، فدعهم بعقاب ذواتهم ينعمون، ولا تهدر عليهم نزفاً من قناديلك الغنية بنور الحياة وجنائن جمالها.