خلال السنوات الأخيرة تحول القطاع النفطي إلى بيئة خصبة للمشكلات الفنية والعمالية فضلا عن السياسية، وسط تساؤلات عن دور مؤسسة البترول الكويتية في معالجة هذه القضايا ولعب دور إيجابي لتجاوزها.

ففي عدة مناسبات رئيسية خلال السنوات الماضية كان دور مؤسسة البترول جزءا من الأزمة لا الحل، مع ان دورها المفترض في هذه الأحداث أن تكون وسيطا او على الاقل عاملا في خلق بيئة تفاهم بين الاطراف المخالفة، وأولها ازمة تعيينات مجالس ادارات الشركات النفطية والتي نشبت بين قيادات المؤسسة وعلى رأسها الرئيس التنفيذي نزار العدساني مع وزير النفط السابق علي العمير والتي تبين في نهايتها أن الطرفين يسعيان الى تحقيق مزايا سياسية او وظيفية لكل منهما عبر قبولهما بتسوية زيادة عدد مقاعد مجلس إدارة المؤسسة من 9 إلى 16 عضواً (لتعيين اطراف محسوبة على المختلفين) ومن ثم اعادة عدد الاعضاء الى 9 بعد تنحي الوزير العمير وهنا تم تجاهل آلية التعيين المتبعة في القطاع النفطي والتي تتمثل في تحديد لجنة من ذوي الخبرة والكفاءة لاختيار من يشغل المناصب القيادية في النفط، ناهيك عن تفجر الخلاف عبر تسريب مراسلات في غاية السرية والخطورة عبر في معركة إعلامية و"تويترية" تنشب لأول مرة بهذه الحدة في القطاع النفطي.

Ad

أزمة تلو أخرى

ولم يكد القطاع النفطي يتجاوز ازمة خلافات المؤسسة مع وزير النفط حتى اشتعلت ازمة اشد تمثلت في اضراب شامل نفذه عمال النفط لمدة 3 ايام كان من نتائجه هبوط العمليات بنسبة تتراوح بين 50 و60 في المئة من إجمالي الإنتاج، و50 في المئة من قدرة تكرير المصافي، فضلاً عن إغلاق مصنع الأسمدة المرتبط بتمويل احتياجات الطاقة الكهربائية، وهو ما أدى إلى خسائر قدرها مجلس الوزراء بـ20 مليون دينار يومياً.

وكان دور مؤسسة البترول في هذه الازمة سلبيا للغاية فبدلا من أن تكون حلقة الوصل بين النقابات ومجلس الوزراء للوصول إلى تفاهمات تقلل الضرر دخلت كطرف لمصلحة الجبهة الحكومية ضد النقابات ما أدى إلى تفاقم الأزمة بل إن العديد من قيادات الإضراب كانوا يَعتبرون أطرافاً في المؤسسة جزءاً من عملية التأزيم في القطاع، وأن أحد الحلول يتركز في إقالتهم، وهو أمر ما كان ليحدث لو لعبت المؤسسة دور الوسيط أو حلقة الوصل في القطاع لتلافي تدهور الأمور إلى الأسوأ.

إقرار المزايا

أسوأ ما في الأمر ان مؤسسة البترول هي التي "طلعت بسواد الوجه" بعد ان شكل مجلس الوزراء "اللجنة الوزارية المحايدة" بشأن القطاع النفطي التي درست مطالب النقابات بعد تعليق الاضراب فأقرت لها العديد من المزايا الخاصة كالدرجات الشخصية والسيارات وعدم تخفيض تقييم الاداء السنوي ناهيك عن صدور احكام قضائية لصالح النقابات ضد المؤسسة في قضايا درجات السفر والمخصصات اليومية وصرف المكافأة التشجيعية في شركة الكيماويات البترولية بل ان تعاطي المؤسسة مع ملف الاضراب اسهم في عرقلة المشروع الحكومي لملف البديل الاستراتيجي للرواتب، اذ جمد الحديث عنه من يوم انتهاء الاضراب.

شركة للمضاربة

اليوم تبرز مؤسسة البترول مجدداً في صناعة مشكلات القطاع النفطي بتبنيها إنشاء شركة خارج الكويت لتداول المنتجات البترولية، وهو ما يثير الشكوك والاستغراب من توجه المؤسسة نحو المضاربة في اسواق النفط العالمية بصورة لا تتناسب مع طبيعة المؤسسة التي يفترض ان تنأى بأهم ثروة طبيعية في البلاد عن احتمالات المخاطرة في الاسواق العالمية... وشتان هنا بين تسويق النفط ومنتجاته الذي يتولاه في مؤسسة البترول قطاع متكامل "التسويق العالمي" بأسعار مثبتة بشكل شهري ورسمي، وبين التداول في اسواق النفط التي تجر الى المضاربة وتوسع دائرة المخاطرة وبالتالي احتمالية التعرض والانكشاف على اسواق المشتقات ومضاربيه، كما حدث مع العديد من الشركات النفطية التي تبنت هذا التوجه.

إنتاج المصافي

اللافت أن الكويت خلال السنوات القادمة، من خلال مصافيها المحلية الى جانب مصفاة الدقم في عمان، ستنتج ما يقل عن مليون برميل من المنتجات النفطية وهي كمية قليلة مقارنة بقدرات المؤسسة وجهاز التسويق فيها، وبالتالي فإن اكثر من علامة استفهام تدور حول الغرض من تأسيس شركة لتداول المنتجات، ولعل التداول هنا يعني البيع والشراء، وعليه يكون امر بيع المنتجات البترولية من الانتاج الكويتي مفهوما، اما الشراء فيجب ان يرتبط بحاجة انتاجية وليس لغرض تحقيق الربحية او خلط الأدوات المالية بأغراض الإنتاج!

تأسيس شركة لتداول المنتجات النفطية فضلا عن كونها فكرة غير حصيفة فإنها صعبة التطبيق كون القطاع النفطي الكويتي يفتقر الى الخبرة الخاصة بالمتاجرة في اسواق المشتقات النفطية بكل تعقيداته ومخاطرة، فلو كانت الشركة مثلاً تحت إدارة جهاز معني بالتداولات والاسواق كالهيئة العامة للاستثمار لكان تسويق الفكرة اكثر وجاهة رغم ان الحاجة اصلا لهذه الشركة منعدمة وغير مبررة.

مشكلة المؤسسة

مشكلة مؤسسة البترول الكويتية خلال السنوات الماضية أنها تركت جانباً مهماً من عملها الأساسي بتطوير الصناعة النفطية ورفع كفاءة الإنتاج والعاملين وتطبيق الاستراتيجيات المعتمدة، لاسيما في مجال رفع كفاءة وكمية الانتاج لتتفرغ لملفات اقل اهمية بعضها يتعلق بصدامات مع أطراف أخرى، كان يمكن حلها بقليل من التعقل والمهنية، وبعضها الآخر ينافي أهداف المؤسسة كمدير للثروة الطبيعية في البلاد.