من قبيل التدليس على الرأي العام، أو التغرير به، يروج أبطال فيلم «دعدووش»، ومعهم بعض المنتفعين، مقولة أنه «أول فيلم كوميدي مصري عن داعش»، فما يعلمه هؤلاء، قبل غيرهم، أن التنظيم الإرهابي المُسمى «داعش» كان محوراً لأحداث فيلمين كوميديين عُرضا هذا العام هما: «القرموطي في أرض النار» و{عندما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره فينتهي به الأمر إلى المهزلة»، ومن ثم ينبغي علينا ألا ننظر إلى تجربة «دعدووش»، بوصفها غير مسبوقة، ولا نحسب أخطاءها ضمن سلبيات التجربة الأولى!

يمنح «دعدووش»، الذي كتبه ساهر الأسيوطي وأخرجه عبد العزيز حشاد، الحق لنفسه في الزعم بأنه ينطلق من أرضية رئيسة هي «التهريج»، لكنه يتورط في مأزق حرج للغاية بالادعاء أنه فيلم جاد، وأنه «يضع أيدينا على مواطن الخلل في المجتمع، وحقيقة الأسباب التي تقود شبابنا إلى الوقوع في فخ الإرهاب والإرهابيين». فالخلط بين الهزل المشروع والجد المُصطنع، أجهض التجربة، وقادها إلى حتفها.

Ad

يقدِّم الفيلم ثلاثة شبان مُحبطين، أولهم «عطعوط» (هشام إسماعيل)، الذي فوجئ بزواج حبيبته، ولما حاول الاعتراض طرده العريس «علاء بلكونة» (عمرو عبد العزيز) من العُرس، ومن الحارة بأكملها، بينما هرب الثاني «أبو سويلم» (محمد فاروق) من الصعيد، لأنه فشل في الإنجاب بعد ثلاث زيجات، أما الثالث «حسام إكس» (كريم محمود أبو زيد) فهو مُدمن عقاقير الهلوسة، ويا لها من أسباب ساذجة قادتهم إلى السقوط في مستنقع «داعش»، سواء بإرادتهم، كما فعل «عطعوط» و{أبو سويلم»، أو رغماً عن أنفهم، كما حدث مع «حسام»، الذي هيأت له العقاقير أنه سيقضي ليلة صاخبة في «داعش بارتي ستايل»، كما وعده أحد الأصدقاء!

المفارقة أن الفيلم نجح في تشخيص أبعاد وعمق الأزمة، بدليل الحملة التي قادها أمير التنظيم «أبو ربيع» (مدحت تيخا)، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واستهدفت إقناع الشباب بالانضمام إلى التنظيم، عبر ثلاثة محاور، أولها الاقتصاد (راتب شهري يُقدر بستمئة دولار لمن ينضم إلى التنظيم) وثانيها الاستقرار العاطفي والاجتماعي (زوجة حلال)، وثالثها تأمين متطلبات الحياة اليومية (توفير السمك واللحم والدجاج). وعقب انخراط الشبان الثلاثة في أحد المعسكرات التابعة للتنظيم توالت «الكليشيهات» المحفوظة حول «أمير التنظيم» الجاهل، والشره للطعام، والنهم للنساء، ومنتهك الحُرمات والأعراض، ثم زاد الكاتب باتهامه، وتنظيمه، بأنه صنيعة دولة عربية، مع أميركا، التي تدعم الإرهابيين بالسلاح، الذي تُلقيه الطائرات «بطريق الخطأ»، فيما يتسم الجميع بالغباء، وضعف الشخصية، تماماً كما كرست السينما المصرية قديماً صورة اليهودي: قصير القامة، وضيق الصدر وذو الأنف المعقوف. وكما أن ثمة قائداً للجناح العسكري هو «أبو مسرور» (أمير صلاح الدين)، الذي تقمص شخصية «مسرور» سيَّاف هارون الرشيد، ثمة «أبو سامية» (ياسر الطوبجي) المسؤول عن شؤون الترفيه، وعين أميركا على «أمير التنظيم»، وثمة الصورة التقليدية الشائعة عن النساء السبايا، من مصر ولبنان والكونغو، واللائي صور الفيلم بعضهن وكأنهن فرحات بالوقوع في أسر «داعش»، حيث يرقصن ويمرحن، ويشاركن في حفلات المجون، لينطبق عليهن وصف ياسر الطوبجي «سبايا الخير»!

الفكرة الجديدة الوحيدة في هذا السياق تمثلت في «مشروب الجنة»، وهو نوع من الخمر يلجأ إليه «ربيع» وبطانته، ليُذهب عقول الشباب، وبعدها يدفع ببعض النسوة الساقطات إلى إيهامهم بأنهم في حضرة الحور العين وخمر الجنة الذي وُعِدَ به المتَّقونَ، وبعد زوال مفعول المخدر يُصبح كلٌ منهم لقمة سائغة، على استعداد للتضحية بروحه، ومُقبل على تنفيذ العمليات الإرهابية من دون إعمال للعقل أو إمهال النفس فرصة للتفكير، طمعاً في العودة إلى الجنة!

«الحصول على قنبلة هنا أسهل من العثور على قلم» جملة كاشفة تميز بها حوار الكاتب ساهر الأسيوطي على عكس مباراة كرة القدم بين فريقي الإرهابي الكبير وبراعم الإرهاب، التي كانت في حاجة إلى خفة ظل بدرجة أكبر، كما لم تكن ثمة حاجة إلى غناء أمير صلاح الدين، وجدية هشام إسماعيل، الذي عجز عن تلبس الشخصية، بينما ركباها مدحت تيخا وياسر الطوبجي، وإن بدا الأخير وكأنه يحاكي سمير غانم في بداياته!

في «دعدووش» خطاب مباشر، على لسان العجوز التي اعتدى التنظيم على قريتها، وتكرار ممل عن الطرف الحقيقي المسؤول عن الإرهاب، واستعادة ساخرة لفيلم «الزوجة الثانية»، وتحذير من التوظيف السياسي للآية الكريمة «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»، وجاء مشهد رفع ضابط الجيش على الأعناق، بعد نجاح الانقلاب على أمير التنظيم، والعودة إلى مصر، ليمثل أسوأ نهاية لتجربة كانت ستنجح أكثر لو اكتفت بالتحذير من الفتنة بين الأشقاء، ونبذ الخلافات، كسبيل واحد ووحيد لمواجهة العدو!