من الجانب الغربي للمحيط الأطلسي قد يبدو أن فرنسا تختبر حالة من الهدوء السياسي، ففي حين يغذي ترامب التيار المستمر لوسائل الإعلام من التغييرات في أمور التوظيف والأزمات السياسية، يوفر ماكرون فرصا نادرة نسبيا للأخبار العاجلة، فنادرا ما تدرس القصص عن ماكرون الأعمال الداخلية لإدارته، لا بل غالبا ما تسلط الضوء، بدلا من ذلك، على اللحظات المبهرجة في العلاقات العامة، مثل أن يجسد شخصية جيمس بوند، أو يقوم بالترحيب بالمشاهير مثل ريهانا في باريس.بالنسبة إلى رجل وصف بأنه يمتلك "صفات الرؤساء،" يبدو ارتقاء ماكرون النيزكي إلى السلطة وكأنه تقدم طبيعي في عمر الإنجاز، وقد كان ماكرون، المستثمر المصرفي السابق، قد أمضى فترة وجيزة في العمل السياسي في عهد سلفه، فرانسوا هولاند، قبل تأسيس حزبه السياسي الخاص، La Republique En March (LREM)، الذي أوصله إلى قمة السياسة الديمقراطية (الرئاسة)، وقد شغل منصبه مع جرعة صحية من النرجسية التي تعززها سنوات من النجاح الوافر، الأمر الذي انعكس في تصوره للرئاسة الفرنسية، وقد اعترض ماكرون على تطلع هولاند المتواضع بأن يكون "رئيسا طبيعيا"، وجاء تصوره للطريقة التي اتبعها هولاند في منصبه غير ملائم لرؤيته الخاصة للرئاسة الفرنسية المعاصرة: وهو موقف يهدف إلى توفير الاستقرار والقيادة في مقابل إعادة تنشيط السلطة الديمقراطية.
وعلى الرغم من جهوده فقد تم استدراج إدارة ماكرون إلى معركة سياسية، وبعد بضعة أشهر فحسب من توليه الرئاسة، خاض ماكرون نزاعا عاما جدا مع رئيس هيئة الأركان في الجيش الفرنسي الجنرال بيير دو فيليرز حول تخفيضات ميزانية الدفاع المقترحة. استقال دو فيليرز، مشيرا إلى أن إنقاص الميزانية لن يسمح له "بضمان حماية فرنسا والشعب الفرنسي"، وكونه شخصا لا يتسامح مع العصيان فقد رد ماكرون برسالة واضحة: "أنا رئيسك"، وفي حين شجب ماكرون السخط حول هذا النزاع العام المتعلق بالميزانية، كان الإعلام الفرنسي أقل رأفة تجاه رد فعله، إذ انتقدت إحدى الصحف رده بالقول إنه "استبدادي صغير مناسب"، مما يعني عدم نضجه.امتد الاستياء من مقترحات ماكرون إلى ما هو أبعد من الإيليزيه، فخلال حملته التزم ماكرون بخفض الإنفاق العام بنحو 71 مليار دولار على مدى 5 سنوات، لإبقاء فرنسا ضمن حدود العجز في الاتحاد الأوروبي، لذا فإنه من غير المرجح أن يشكره وزراؤه ومسؤولو الحكومة المحلية على ميزانياتهم المتضائلة ومواردهم المرهقة، كما يأمل ماكرون أيضا إصلاح قانون العمل، الأمر الذي سيغضب النقابات العمالية المعروفة بإضرابها في فرنسا. حتى رغبة ماكرون في رفع زوجته، بريجيت ماكرون، إلى منصب "السيدة الأولى" الرسمي، اصطدمت على الفور بعريضة شعبية أوقفت المبادرة في مسارها.قامت هذه الأخطاء بجذب رئاسة ماكرون إلى الأرض والجمهور لم يكن رحيما، وعلى الرغم من انتخابه بنسبة 66% من الأصوات في شهر مايو، فقد أظهر استطلاع إيفوب، الذي صدر في شهر أغسطس، أن معدل القبول بماكرون قد انخفض إلى 40%، وهو انخفاض مذهل خلال فترة ثلاثة أشهر، في حين ارتفع معدل رفضه إلى 57% من 43% في شهر يوليو.في مواجهة هذا الانخفاض الكبير في شعبيته، يكافح ماكرون من أجل استعادة جاذبيته، كما هدد مجلس الوزراء بهز أنقاضه إذا لم يسلم وزراءه له.في مواجهة هذا الانخفاض في معدلات الموافقة وازدياد قائمة الانتقادات انحدرت رئاسة ماكرون الشابة السماوية إلى الصراع الدنيوي في السياسة الديمقراطية، ويبدو احتواء الاضطرابات داخل الحكومة واستعادة الشعبية من خلال تحقيق انتصارات سياسية ذات مغزى وكأنه مهمة عبثية. الآن يجب على العالم المراقبة لمعرفة ما إذا كان هذا الجوبيتر الفرنسي يمكنه استعادة جبل أوليمبوس أو أنه سيتلاشى ببساطة كأسطورة، وإذا كان ماكرون يتوقع المضي بجداول أعماله المتعلقة بالاقتصاد والسياسة الخارجية مع الاحتفاظ بدعم شعبي فسيكون من الحكمة بالنسبة إليه أن يكسر صمته ويعيد بناء الهوة التي خلقها مع الجمهور، فالشعب الفرنسي يريد قائدا فعالا لا حاكما متحفظا.* جيسيكا كولبي* «ناشيونال رفيو»
مقالات - اضافات
أمازال ماكرون الحل بالنسبة إلى فرنسا؟
08-09-2017