6/6 : رسالة إلى فاسد

في المقالة السابقة كانت رسالتي لحليفك الحاسد، واليوم أرسلها لك أنت "أيها الفاسد" بعد أن استوطنت أيضاً بلدنا الطيّب الذي عاش على النزاهة الفطرية والصدق في التعامل، فعثت بأركانه تشويهاً وتخريباً، وغدونا بسببك محطة للتراجع في كل المراتب التنموية والحضارية بين الدول والأمم الأخرى، وسمّم وجودك أجواءنا النقيّة وأصبحت عنواناً بارزاً لدينا لا تخطئه العين المجرّدة.

أنت "أيها الفاسد" أصبحت داءً عضالاً كحليفك الحاسد، ولم تنفع معك حتى الآن القوانين المجرِّمة لفسادك، والهيئات المتربصة بأفاعيلك، والشبكات الرقابية الشعبية والحكومية المتعاظمة والتي نُصِبَت للإيقاع بك، ولكنّك دائماً تفلت من مسامّها لأنك فنّان بمحو آثار جرائمك وتلبيسها لفرّاش هنا ومراسل هناك، أو وافدٍ استطاع الفرار عبر المنافذ الرسمية بجنح ليلٍ مظلم، حاملاً معه بضعة ملايين من الدنانير تمثل حصّته من "هبراتك" الكبرى التي تسجّل دائماً ضد مجهول!

أيها "الفاسد اللعين":

لقد توغّل وجودك في مختلف الدوائر الحكومية فخرّبت ضمائر وأخلاق بعض الكبار والصغار من الموظفين ضعاف النفوس الذين يمارسون عملهم بلا ضمير وجُل همّهم كيف يعرقلون مصالح العباد لا كيف ييسرونها، والذين أبدعوا باستحالة الممكن وتمكين المستحيل، وصولاً لفرض الإتاوات والرشاوى المحرمة والمجرّمة عبر الدفع النقدي "للدُّرج المفتوح" والتي يؤدّيها، مع الأسف، بعض السُّذج فراراً بمصالحهم وتمريراً لحق لهم منعته عنهم أنت وأمثالك من الموظفين الفاسدين! وبلغت الدناءة أن يكون ثمن تمرير الممكن من المعاملات في بعض الدوائر الحكومية، هو شريحة هاتف نقّال أو قارورة عطر من صنف رخيص توضع بيد موظف وضيع أو موظفة مبتَذلة.

بسببك أيها الفاسد وأعوانك من سدنة البيروقراطية المقيتة غدت الكويت بيئة طاردة لا جاذبة للمستثمر، وعانت ساحتنا الاستثمارية من تصحّر وجدب متراكم.

استأثرت أيها الفاسد بالعديد من المشاريع والمناقصات، لأنك استطعت أن تعرف من أين تؤكل الكتف، وكيف يتم "دهان السيور!"، وكيف تُنحر الضحايا باتجاه القبلة، ولم يهمّك في ذلك قطع أرزاق غيرك وإجهاض أحلامهم المشروعة، لأنك صاحب الحظوة والنفوذ والقدرة على التمكين بتسهيل الصعاب!

دمّرت تركيبتنا السكانية باتجارك بالبشر وإصدار الإقامات لمن لا تحتاج إليه البلاد من العمالة السائبة، التي قايضت أقواتهم بأرباحك واكتنزت أموال السُّحت التي جَبَيتها من عرق أولئك الكادحين!

المصيبة لا تكمن بك فقط، بل بمن مكّنك من رقاب البلاد والعباد، ومنحك سبل الكسب غير المشروع باعتبارك من النُّخب المحظيّة، وجعل منك طريقاً سريعاً للخطيئة والإثراء الفوري، وجعل منك رمزاً للفواحش القانونية والمالية والسياسية والأخلاقية دون حياء أو خجل، وأصبحت كلمة مُرّة تتردد على كل لسان وفِي كل خطاب رسمي وشعبي دون معرفة من أحد موعد زوالها من قاموسنا!

أيها الفاسد:

متى تشبع وتتوب وتغادرنا إلى غير رجعة بعد أن عجزت قوانيننا وحيلنا عن اصطيادك؟ فقد سئمنا وجودك، وأصبح مستقبل أبنائنا بسببك في مهب الريح.

قاتلك الله وعجّل بفرجنا من أوزارك.

ملحوظة:

رسائلي للحاسد والفاسد، لا تخص شخصاً بعينه، بل هي أردية يستطيع أن يلبسها كل من تنطبق عليه المواصفات ويا كثرهم بيننا، ومن في رأسه "صعروره" فليتحّسسها!