هل تستطيع ماي إعادة قطار «بريكست» إلى سكته؟
تواجه عقبتين كبيرتين وثقلها السياسي اقترب من الصفر
لم تفعل تيريزا ماي حتى الآن أي شيء لتهيئة الرأي العام لتقبل دفعة المال المطلوبة مقابل الخروج من الاتحاد الأوروبي، التي تصل إلى عشرات المليارات من اليورو، كما أنها لم تفعل شيئاً إزاء انتقال سريع باستثناء تجميد الترتيبات القائمة حالياً.
لم تحقق محادثات "بريكست" بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تقدماً يذكر خلال الأسبوع المنقضي. وبينما يقترب الموعد النهائي المحدد بشهر مارس من عام 2019 لإبرام اتفاقية بهذا الشأن يبدو التقدم حتى الآن بطيئاً إلى حد كبير. ويتعين على رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن تشد من قبضتها على هذه العملية، وتواجه الحكومة البريطانية عقبتين كبيرتين في هذا الصدد، ولكن بإمكان ماي تخطيهما معاً.تتمثل العقبة الأولى في إصرار الاتحاد الأوروبي على التوصل إلى اتفاق بشأن حجم الالتزام المالي، الذي يتوجب على بريطانيا أن تدفعه مقابل انسحابها بصورة تامة من الاتحاد – وتنص الصيغة المتعلقة بذلك على قطع شوط كبير باتجاه هذا الاتفاق، قبل أن تنتقل المحادثات إلى ترتيبات ما بعد "بريكست".
وتتمثل العقبة الثانية في عدم اليقين بخصوص طبيعة العلاقة بين الطرفين بعد انتهاء مرحلة "بريكست" الانتقالية، أي طبيعة مسار العلاقات بينهما إلى أن يتوصلا إلى اتفاقية جديدة دائمة – وهو أمر يتطلب بضع سنوات على الأقل.وتتردد المملكة المتحدة إزاء هاتين العقبتين لأسباب جلية، إذ ترتبط كل عقبة بجوانب سياسية مفخخة – إضافة إلى أن الثقل السياسي لتيريزا ماي وخصوصاً بعد هزيمتها في الانتخابات المبكرة في هذه السنة يكاد أن يصل إلى الصفر. ويعارض الرأي العام في بريطانيا بشدة دفعة الخروج من الاتحاد، التي تصل إلى عشرات المليارات من اليورو، التي قال الاتحاد الأوروبي، إنه ينتظر الحصول عليها. كما أن الكثير من أولئك، الذين صوتوا لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد يشككون في أهمية اتفاق المرحلة الانتقالية المتعلق بالتزامات المملكة المتحدة ويرون فيه استمراراً للعضوية في الاتحاد الأوروبي بطرق أخرى.ولم تفعل ماي حتى الآن أي شيء من أجل تهيئة الرأي العام لتقبل دفعة المال المطلوبة مقابل الخروج، كما أنها لم تفعل شيئاً إزاء انتقال سريع باستثناء تجميد الترتيبات القائمة حالياً.ومن قبيل الانصاف لرئيسة الوزراء البريطانية، ينبغي الاعتراف بخطأ الاتحاد الأوروبي في إصراره على تحقيق "تقدم كاف" في محادثات الخروج قبل النظر في أمور أخرى. ولا يوجد سبب يحول دون إجراء تلك المحادثات بالتوازي مع مسارات أخرى بحيث تتوازن التنازلات في منطقة ما مع تنازلات أخرى. إن فصل القضايا ووضع كل منها تحت صومعة مستقلة ووضع شرط للانتقال من صومعة إلى أخرى هو طريقة مناسبة لإفشال المحادثات. لكن البريطانيين لا يتوقعون أيضاً منة من جانب الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد، لأن بريطانيا استهانت بالاتحاد الأوروبي وليس العكس ويملك الاتحاد الآن اليد الطولى.
ماذا يتعين على ماي أن تفعل؟
فيما يتعلق بدفعة الخروج من الاتحاد، يتعين عليها أن تقترح تسوية المسألة من خلال لجنة تحكيم دولية مستقلة، وهو ما اقترحه في وقت سابق من هذه السنة آندريه سبير من معهد "بروغل" قبل أن تفضي هذه القضية إلى تعطيل المحادثات. أما وقد تبين هذا التعطيل حقاً فإن على مايأن تأخذ بفكرة "سبير".ويتمتع التحكيم بمزايا جوهرية كبيرة. إذ إن مسألة الالتزام المالي تنطوي على تعقيدات هائلة، وأن الأطراف تنطلق من مواقف متباعدة جداً قد تعطي لبريطانيا بشكل خاص فرصة للنكوص.كما أن الخضوع لا يشكل رضوخاً لتهديدات الاتحاد الأوروبي بل إذعان من حيث المبدأ لعملية مشروعة سبق وأن وافق عليها الطرفان. وسوف تكون محكمة العدل الدولية أو محكمة التحكيم الدائمة – كما اقترح "سبير" – الهيئة الملائمة لهذه الغاية.وحول شكل مرحلة الانتقال يتعين على ماي أن تدعم بقوة وزير ماليتها فيليب هاموند ضد وزراء آخرين وخصوصاً ليام فوكس، وأن تصر على أن الاتفاق الانتقالي يجب أن يكون بشكل فعلي امتداداً للترتيبات القائمة. وبعد "بريكست" – ولفترة تمتد لعدة سنوات – يجب أن تظل بريطانيا عضواً في السوق المشتركة والاتحاد الجمركي الأوروبي، وأن تلتزم بدفع رسوم العضوية وحرية الحركة لمواطني الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة والاعتراف بحقوقهم القائمة – وألا تكون لها كلمة في اتخاذ القرارات في الاتحاد.متشددو الـ"بريكست" – داخل حزب المحافظين وخارجه – حزب تيريزا ماي– سوف يشجبون ذلك بوصفه تخلياً عن نتائج الاستفتاء. وسوف تقول ماي، إنها لن تفعل ذلك، كما أنها سوف تقول طبعاً إن هذه الحصيلة غير مقبولة على الإطلاق، وتمهد لترتيبات طويلة الأجل – والسبب يكمن في أنها مؤقتة، وهي مجرد ثمن تنفيذ الـ"بريكست" بأقل قدر ممكن من الاضطراب في الأجل االقصير. وفي وسع ماي أيضاً أن تفسر لماذا يتعين على متشددي الـ"بريكست" الانفتاح على هذا الأسلوب وهذه المقاربة. كما يتعين أن تتم تسوية مقاومتهم لمطالب الاتحاد الأوروربي المالية وتفضيلهم للانتقال المعقد الذي يخلص المملكة المتحدة من الحقوق القائمة ومن التزاماتها، أي ما يفضي إلى اتجاه واحد فقط نحو ما يدعى "بريكست" حافة الهاوية التي ستتمخض عنها اضطرابات هائلة في الأجل القصير قد تلحق الضرر باقتصاد المملكة المتحدة. وكما جادل جون سبرينغفورد من مركز الاصلاح الأوروبي، فإن ذلك قد يكون الحصيلة الممكنة الأسوأ بالنسبة إلى المتشددين. وسوف يفضي ذلك إلى دفع الناخبين إلى الاستنتاج بأن الـ"بريكست" كان خطأ فادحاً بعد كل شيء.. وهو خطأ قد يقررون ضرورة تصحيحه.ويتعين أن يكون واضحاً أن للمتشددين مصلحة في تحقيق خروج سلس أكثر من أي طرف آخر – والثمن لضمان ذلك متواضع –وهو قليل من الصبر فقط.