«الرجال فقط عند الدفن»!
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
هل تعمد المخرج «الكعبي»، ومن خلفه طاقم العمل الإيراني (المنتج فرشاد مهوتفروش، ومدير التصوير بيمان شادمنفار، والمونتاج ميسم مولاي والموسيقى پیمان یزدانیان) أن تكون العائلة عراقية، وأن تُتهم الأم بأنها مثلية الجنس؟نقطة جديرة بالبحث، والنقاش، لكنها لا تنفي، في الأحوال كافة، أن الفيلم يمثل نقلة نوعية، وفنية، إذ لم يكتف كاتبه ومخرجه بالإثارة التي فجرها نتيجة لطرحه قضية تُعد من المحرمات في المجتمعات العربية، وليس المجتمع الخليجي فحسب، وإنما قطع شوطاً طويلاً في تقديم عمل سينمائي مُحكم، بل مترابط ومنضبط، بحيث لا يمكن التصديق أنه فيلمه الروائي الطويل الأول، فإضافة إلى براعته الملحوظة في قيادة فريق العمل، خصوصاً الممثلين: سليمة يعقوب، وهبة صباح، وعبد الرضا ناصري، الذين اتسم أداؤهم بالهدوء والكياسة والثقة، كان جريئاً في اختيار الموضوع بما يعكس شخصيته القوية، ويؤكد نجاحه في استثمار دراسة صناعة السينما في فرنسا. فاستخدام تقنية «الفلاش باك» جاء بدقة، وغير إفراط، وعلى صعيد السيناريو تهادت المشاهد بسلاسة، ولم تخل من مفاجآت تصب في صالح القضية التي يتبناها المخرج، فالانحياز إلى المرأة، وحريتها المطلقة، واختراق «المسكوت عنه»، يتجلى في شخصية الأم التي تحملت غطرسة الزوج، والابنة «عائشة»، التي هربت مع حبيبها من منزل العائلة، بعدما رفضت الانصياع لدكتاتورية والدها، والتقاليد، التي تحتم زواجها من ابن عمها، ولما عادت ذات ليلة، وفي بطنها ثمرة زواجها، زعمت الأم الكفيفة أنها لا تعرفها، وأمرت الخادمة «عارفة» باستقبالها، وكأنها تكفر عن ذنبها حيالها، فيما استسلمت «غنيمة»، التي تعمل في إحدى الإذاعات المحلية، لأبيها والتقاليد، وتزوجت ابن عمها «جابر» فلم تفارقها التعاسة! لا ينسى المخرج / كاتب السيناريو، أيضاً، حادث الدهس «المسكوت عنه» فيستعيده من خلال شيخ القرية، الذي يستعلم عن السبب فيُقابل بصمت جماعي، كما تصبح الفرصة مواتية لإماطة اللثام عن السر وراء كف بصر الأم المثلية، لكن الخادمة تُرجع الأمر إلى ما بعد رحيل زوجها، ويأتي عنوان «الرجال فقط عند الدفن» ليُكمل الرؤية المناهضة للمجتمعات الذكورية العربية، التي تُحرم وجود النساء أثناء دفن ذويهن في المقابر، واقتصار الدفن على الرجال!يقتحم «الكعبي» مناطق شائكة كثيرة، من دون أن يخدش الحياء، بل إنه يطرق «المحظور» معتمداً على التلميح، ولا يوظف «الفلاش باك» للتصريح، أو تقديم خطاب مباشر، ولا يترك عنصراً لديه من دون أن يستخدمه كسلاح لتمرير أفكاره، وطوال الوقت يُراهن على ذكاء الجمهور وفطنته.