بات آية الله محمود شاهرودي (الهاشمي) أول ضيف إيراني بارز تحاط زيارته لبغداد الأسبوع الماضي بلغط يصل إلى حد إحراجه رسمياً وشخصياً، إذ لم يحظ بالحفاوة المعتادة، وانتظر أياماً إلى أن استقبله رئيس الحكومة حيدر العبادي المنتمي إلى حزب الدعوة، في طعن رمزي بمنصب مفترض لشاهرودي هو «الأب الروحي» والمرشد للعبادي وحزبه، وهو في الوقت نفسه رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام خلفاً للراحل هاشمي رفسنجاني، لكن الأمر تجاوز الحرج المعتاد وكشف عن فجوة تتسع بين الحليفين في طهران وبغداد.

وإثر خلافات عميقة حول دعم طهران لفصائل شيعية عراقية متطرفة تهدد سيادة الحكومة التي يهيمن عليها جناح شيعي موصوف بالاعتدال، تعرض حزب الله ودمشق أخيراً لهجوم عنيف من شيعة العراق، اعتراضاً على صفقة أبرمها الحزب مع تنظيم داعش تقضي بنقل مئات من مقاتلين من القلمون إلى حدود سورية مع العراق، مما اعتُبر تهديداً لبغداد في لحظة حرب محاطة بالمخاطر.

Ad

وبلغ الأمر إلى درجة جعلت حتى هادي العامري، زعيم منظمة بدر وهو حليف تاريخي لإيران، يضطر إلى انتقاد الصفقة، والحديث بنحو يوحي بأن حزب الله «خدع العراقيين».

وألقى هذا الأمر بظلاله على زيارة شاهرودي، وهو عربي الثقافة مولود في النجف ويعد فقيهاً مستنيراً، لكن قربه من المرشد علي خامنئي وضعه في قلب السياسات المتشددة التي تتحسس منها مرجعية النجف المعروفة باعتدالها.

وفوق هذا وذاك، فإن الأوساط الدينية تناقلت قبل أعوام أن شاهرودي مرشح من جانب خامنئي لخلافة المرجع النجفي السيستاني بعد وفاته، وهو ما اعتُبر محاولة إيرانية لـ«الاستيلاء» على النجف بعد نجاح السلطات في تقييد استقلال المرجعية بإيران.

وبقي شاهرودي في العراق خمسة أيام، لكنه لم يحظ بلقاء مراجعها البارزين، حتى أن مقتدى الصدر لم يستضفه رغم الصداقة التاريخية التي تجمعهما عائلياً.

وتتفق الإشارات على أن هناك فجوة تتسع بين بغداد، التي انخرطت في بناء ثقة جديدة مع محيطها العربي والمحور الأميركي، وإيران التي لاتزال تقاتل في المحور الروسي وتريد زج العراق معها لتتفاخر بوجود «خط ممانع» يمتد حتى بغداد ودمشق، لكنها تفاجأ بأن العراق يصبح يوماً بعد آخر مضطراً إلى تصحيح وضعه دولياً وإقليمياً لبناء مرحلة استقرار بعد انتهاء الحرب المكلفة مع «داعش»، التي جعلته يواجه مصاعب اقتصادية وسياسية عميقة، يحتاج خلالها إلى معونة مستمرة من المؤسسات الدولية والعربية، وهو ما يفرض «تصحيحاً» للعلاقة مع طهران، دون أن يعني ذلك تدهورها، إذ إن الإيرانيين يبقون حريصين، كما يبدو، على دعم حكومة في بغداد يهيمن عليها الشيعة حتى لو كانوا مصنفين كحلفاء للعرب والغرب ومبتعدين عن السياسات المشاكسة.

وتحظى مواقف العبادي والصدر والأطراف الحليفة لهما باهتمام متحمس وخصوصاً عند الجمهور السني الذي عادة ما يرتاب حيال «حكومة الشيعة»، بينما تسود أخيراً أجواء يمكن أن تمثل فرصة مهمة لتخفيف الاحتقان الطائفي وإعادة بناء الشراكة مع القوى السنية بنحو يبدو شرطاً دولياً لإعادة إعمار أكبر المدن المدمرة في الحرب.

وفي نقطة لا تخلو من الإثارة، أشارت بعض المصادر إلى أن شاهرودي أبلغ العبادي أن طهران تريد «توحيد شيعة العراق» قبيل انتخابات الربيع، وتحث على مصالحة بين الصدر والعبادي من جهة، والمالكي والفصائل المسلحة من جهة أخرى، إلا أن المصادر تؤكد أن بعض القادة العراقيين ردوا بأنهم يطمحون أيضاً إلى «التوسط لتوحيد شيعة إيران، حيث يخضع أبرز معارضي طهران لإقامة جبرية أو قيود كبيرة»، فضلاً عن وجود آلاف السجناء السياسيين الشيعة في معتقلات طهران!