حملة التطهير العرقي التي تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الشيخ جراح نكأت الكثير من الجراح، فإسرائيل طردت سكان الشيخ جراح من بيوتهم في القدس الغربية عام 1948، ومنحت بيوتهم للعائلات اليهودية، فاضطروا لاستئجار البيوت التي يقطنونها الآن في حي الشيخ جراح حسب القانون، الذي يفترض أن يحميهم من الطرد، والآن جاءت قوات إسرائيل لتطردهم للمرة الثانية بوحشية عنصرية لا تقيم وزنا لحقوق الإنسان، وكي تسكن مكانهم مستوطنين يشكل وجودهم في القدس العربية المحتلة مخالفة للقانون الدولي، كما يمثل نقلهم إلى الأراضي المحتلة، مثل نقل سائر المستوطنين، جريمة حرب حسب الأعراف الدولية والقانون الدولي.

وقد شهدنا طوال الشهر الماضي توالي الإجراءات التي لا تكرس ممارسة جرائم الحرب فقط، بل منظومة الأبارتهايد العنصرية، ومن ذلك إنشاء مجلس بلدي لمستوطني الخليل فيما يمثل تطورا خطيرا من زاويتين:

Ad

أنه أولاً يباشر فعليا ضم أجزاء من مدينة الخليل لإسرائيل.

وأنه ثانيا يعني فرض نظامين وقانونين لمجموعتين في المنطقة نفسها، يميز من خلالها مصلحة المستوطنين على حساب أهل البلدة القديمة الأصليين في الخليل، وذلك هو التعريف الدقيق لكلمة أبارتهايد.

لم أشترك في مناظرة، أو محاضرة، أو مؤتمر طوال السنوات الخمس عشرة الماضية دون أن أصف إسرائيل بنظام الأبارتهايد، ولم يستطع أي إسرائيلي، من أكبرهم إلى أصغرهم، في أي محفل أن ينفي صفة الأبارتهايد عن إسرائيل لأن الوقائع والحقائق والأرقام والصور والخرائط دامغة وقاطعة.

واليوم تمزج حكومة إسرائيل في سابقة تاريخية بين الاحتلال والتطهير العرقي ونظام الأبارتهايد العنصري، وكمن يضيف الملح إلى الجرح، لا تتورع حكومات إسرائيل عن وصف من ينتقد جرائمها، بالعداء للسامية، أو الإرهاب، أو التحريض، وهذه وسائل رخيصة للتهرب من مواجهة الحقائق والوقائع، غير أن السؤال الأهم هو: لماذا صمت جزء كبير من العالم وحكوماته عن هذه الجرائم التي تتواصل يوميا؟ ولماذا فرضت العقوبات والمقاطعة الاقتصادية وسحب الاستثمارات أي الـ(BDS) على نظام جنوب إفريقيا العنصري ولا تفرض الآن ضد إسرائيل؟

والغريب أن إسرائيل هي الكيان الوحيد في العالم الذي يجمع بين الأبارتهايد والتطهير العرقي والاحتلال، ومع ذلك يوضع فوق القانون الدولي وفوق مبدأ المساءلة.

تقر جميع الدول والحكومات بأن نظام الأبارتهايد مرفوض، ومعظمهم يقرون بأن إسرائيل تمارس الأبارتهايد، فلماذا إذاً لا تتخذ الإجراءات لردع هذا النظام، ولو بأبسط الوسائل، كالحرمان من الامتيازات الاقتصادية وإلغاء المكافآت العلمية أو وقف التعاون العسكري؟ ولماذا لا تطبق دول أوروبية وغير أوروبية قوانينها الخاصة عندما يتعلق الأمر بممارسات إسرائيل؟

لا أظن أن السبب يعود الى عدم القبول بمبدأ فرض العقوبات، فقد استخدمت العقوبات وتستخدم وفي بعض الأحيان، دون حق، ضد روسيا والعراق وإيران وسورية وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا والسودان وغيرها، وقد كان استخدامها حاسما في إسقاط نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا.

ولا أظن أن دول العالم تنقصها المعرفة، فهي ليست مصابة بالعمى ولا الصمم، لكنها مصابة على ما يبدو بداء جديد اسمه «الخوف من نقد إسرائيل» أو «التصدي الفعال لممارستها»، أو «المس بها بأي شكل من الأشكال»، ولا علاح لهذا الداء إلا بالعمل الحثيث والفعال والمتواصل مع شعوب هذه البلدان كي تضغط على حكوماتها كما فعل مناضلو جنوب إفريقيا، فلولا الشعوب لما غيرت حكومات العالم مواقفها تجاه نظام الفصل العنصري والتي كان بعضها متواطئا معه.

ولا علاج لهذا الداء إلا بسحب الغطاء الذي يسمى «مفاوضات السلام الميتة» عن الجرائم الإسرائيلية وفي مقدمتها جريمة الاستيطان، ولا علاج لهذا الداء إلا بمواجهة الجرائم، وقيام الفلسطينيين بإحالة إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية ومواجهتها في كل محفل قضائي أو قانوني أو دبلوماسي في العالم، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية